الصورة الذهنية على قاعدة الأسس السيكولوجية



الصورة الذهنية على قاعدة الأسس السيكولوجية

Nezar Mihoub

إن تكوين صورة إيجابية للمؤسسة عمل من أهم أعمال العلاقات العامة, فالمؤسسة الحديثة, التي تعمل لتحقيق أهداف ملموسة, تقوم بعملها في ظروف تعاون وعلاقات متبادلة, وفي محيط تجد فيه مصالح مختلفة اقتصادية وسياسية  وقانونية واجتماعية وغيرها. إضافة إلى ذلك تقع المؤسسة دائماً تحت تأثيرات مختلفة كثيرة تؤثر دون شك في نشاطها وقراراتها المتخذة. وتنظيم هذا التعاون المعقد هو أهم الوظائف التي تسهم في نجاح عمل المؤسسة.

غير أن الصورة الايجابية, التي هي نتاج فعاليات ونشاطات المؤسسة كلها من جهة، وعلاقاتها بمحيطها من جهة أخرى, يتطلب من المؤسسة أن تمد يدها إلى المجتمع ومجموعات الضغط " اللوبي ". وتسعى إلى تعزيز هذا الأمر باستمرار. لذلك ليس عبثاً أن تقوم إحدى أهم قواعد الدعاية على المبدأ الآتي:

قبل أن تبدأ بالعمل الدعائي، أعر صورتك الذهنية اهتماماً خاصاً, وهذه ترتكز على مقومات لا تستطيع الدعاية أن تخلقها, وإن امتلكت القدرة على التأثير فيها إيجاباً أو سلباً. وكما تُظهر التجربة , يمكن للعلاقات العامة والعمل الإعلاني تكوين صورة ذهنية إيجابية, ويمكن أن يكونا أكثر فاعلية إذا استندا إلى فهم الطابع السيكولوجي لهذه العملية, لذلك سنتوقف عند هذه المسألة.

لقد أصبحت عبارة " الصورة الذهنية " متداولة ومعروفة في حياتنا اليومية, على الرغم من حداثة التركيب الاصطلاحي في حياتنا العامة. ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا: إن ذلك رافق انتشار مهنة العلاقات العامة في عالم الأعمال والمجتمع, فقد حل المصطلح الجديد محل المصطلح القديم, " شخصية المؤسسة " التي حلت محلها عبارة " الصورة الذهنية " للمؤسسة باستحقاق, فالصورة الذهنية أكثر بقاءً لأنها نتاج التجربة الذاتية وليست قولاً على قول.

وإذا كان ثمة عمل على الشخصية الفردية تضطلع به العلاقات العامة, فهو العمل في الحملات الانتخابية. إلا أن عمل العلاقات العامة على حماية الصورة الذهنية لمؤسسة ما أكثر تعقيداً بما لا يقاس, لأن ثمة عناصر كثيرة تدخل في تكوين الصورة الذهنية، ولا تجتمع تلك المكونات على باطل. باختصار ثمة جانبان متداخلان في هذه المسألة. إذاً عندما نتحدث عن الفرد قد تكون الصفات الشخصية مهمة في تكوين الصورة الذهنية. ويمكن للدعاية ووسائل الإعلام أن تخلق شخصيات وتروجها ثم ترميها في سلة النسيان بعد حين, وربما تعوّد الجمهور على ذلك ولم يعد يثق بالصحفيين, كما كان في السابق.

وقد درس علم النفس الشخصية Personality , وتعريفه المختصر لها أنها " الفردية الواعية ". والشخصية هي: العنصر الثابت في سلوك شخص ما, وذلك ما يميزه عن الأشخاص الآخرين. وما يهم في الشخصية هو سماتها ونماذجها، وأن منشأها وراثي وبيئي اجتماعي. ولا بد أن يتمتع عامل العلاقات العامة بمعرفة سيكولوجية عميقة في هذا الصدد, فمادة عمله الأساسية هي الناس, ولهذا السبب سندرس الشخصية من وجهة نظر سيكولوجية بالتفصيل, فما هي الشخصية؟

يدرس علم نفس الشخصية والفروق الشخصية الفردية. فثمة وجهة نظر تؤكد أهمية بناء صورة متسقة لشخص ما وعملياته النفسية, وترى أخرى أن الشخصية دراسة للفروق الفردية, بعبارة أخرى كيف يختلف الناس أحدهم عن الآخر, فيما تؤكد ثالثة على معاينة الطبيعة الإنسانية وكيف أن الناس متماثلون جميعاً ويشبه أحدهم الآخر. وتندمج وجهات النظر الثلاث هذه معاً في دراسة الشخصية.

ومن ثم يمكن تعريف الشخصية بأنها مجموعة خصائص يمتلكها شخص ما تؤثر على نحو فردي في إدراكه ودوافعه وسلوكه في أوضاع مختلفة, و كلمة شخصية Personality تعود إلى الكلمة اليونانية القديمة Persona   إذ كان القناع يستخدم لإخفاء هوية شخص ما, ومن ثم استخدم لتمثيل تلك الشخصية وتقديم صورة مصغرة عنها.

ولا بد من الإشارة إلى أن معظم الأفكار التي طورها الباحثون المعاصرون في الشخصية هي في الأصل فرضيات فلسفية. ويدور الخلاف حول خمس فرضيات أساسية هي:

الحرية مقابل الحتمية: والخلاف على ما إذا كنا نسيطر على سلوكنا ونفهم دوافعنا, ووراء ذلك ( الحرية ). أو ما إذا كان سلوكنا مقرراً من قبل قوة أخرى لا نستطيع التحكم بها ( الحتمية ). يمكننا أن نستجيب للقوى الخارجية مثلا كالحكومة والآباء والأساتذة والنظام الاجتماعي والنظام الاقتصادي , إلخ . . .أو يمكن حتى أن نضطر إلى سلوك طرق محددة بفضل تركيبنا الوراثي وتنشئتنا, إلخ . . . والسببية قد تكون احتمالية ومن ثم, غير حتمية.

الوراثة مقابل البيئة: يُظَنّ أن الشخصية تتحدد بالجينات والوراثة, والبيئة والتجربة, أو بكليهما. وهناك دليل على كل هذه الإمكانيات.

الفرادة مقابل الشمولية: يدور الجدل حول ما إذا كنا جميعاً أفراداً فريدين ( الفرادة ) أو إذا كان الناس متماثلون في الأساس في طبيعتهم ( الشمولية ).

الفاعلة مقابل المنفعلة: هل نتصرف من خلال مبادرتنا الذاتية ( الفاعلة ), أو نستجيب لمؤثر خارجي ( منفعلة )؟

المتفائلة مقابل المتشائمة: والجدل يتركز على ما إذا ما كنا نستطيع تعديل شخصياتنا ( المتفائلة ), أو نبقى كما نحن طوال الحياة ( المتشائمة ).

د. نزار ميهوب 

من كتاب : الأسس السيكولوجية للعلاقات العامة 

تحذير واجب: لا يجوز نشر من هذا المقال أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع أو نقله على أي نحو، أو بأي طريقة كانت (إلكترونية أو ميكانيكية) أو خلاف ذلك،دون ذكر المصدر بشكل واضح ودقيق. تحت طائلة المساءلة القانونية.

 يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام :info@ipra-ar.org

 

 


تابعنا :