مستقبل الذّكاء الاصطناعي: التّطوير الأخلاقي والتّنظيم والتعليم يتصدرون المشهد

المبادئ التّوجيهيّة الرّئيسيّة لمساعدة قادة الاتّصالات على ضمان دعم المؤسّسات لمطالب تطوير الذّكاء الاصطناعي المسؤول والجّدير بالثّقة. بقلم سفيتلانا ستافريفا Svetlana Stavreva

أذهل الذّكاء الاصطناعيّ التّوليدي (Gen AI) قادة الأعمال والمجتمع منذ ظهوره في أواخر عام 2022. حيث تشير أبحاث ماكنزي إلى أنّ الذّكاء الاصطناعيّ التّوليدي يمكن أن يحقّق قيمةً تتراوح بين 2.6 إلى 4.4 تريليون دولار سنويّاً، الأمر الّذي سيغيّر العمل والحياة. كما يُظهر استطلاعٌ أجرته مجلّة فوربس أنّه على الرّغم من أنّ 50% من المديرين التّنفيذيين لديهم مخاوف قانونيّة أو أخلاقيّة كبيرة، إلّا أنّ 46% منهم ما زالوا يخطّطون لاستخدامه إذا لم يكونوا قد استخدموه بالفعل.

ومع دخولنا حقبةً جديدةً يحرّكها الذّكاء الاصطناعي، يجب أن يتحوّل الحوار من ما يمكن أن يفعله الذّكاء الاصطناعي إلى كيفيّة تطويره وتطبيقه بمسؤوليّةٍ في المجتمع.

الذّكاء الاصطناعيّ الأخلاقيّ والمسؤول في الصّدارة

يتزايد الطّلب العام على تقنيّات الذّكاء الاصطناعي الّتي يتمّ تطويرها بنزاهةٍ وأخلاقيّاتٍ عالية لها مبرّراتها. وبما أنّ الذّكاء الاصطناعيّ أصبح جزءاً لا يتجزّأ من الحياة اليوميّة، أصبحت قضايا مثل الخصوصيّة والتّحيّز والشّفافيّة والمساءلة في غاية الأهمّية. إذ يجب أن يحترم التّطوير الأخلاقيّ للذّكاء الاصطناعيّ الحقوق الفرديّة والقيم المجتمعيّة.

ويقع على عاتق قادة الاتّصالات دورٌ مهمٌّ في ضمان دعم مؤسّساتهم لمطالبات تطوير الذّكاء الاصطناعيّ الجّدير بالثّقة والمتّسم بالمسؤوليّة. وفيما يلي إرشاداتٌ أساسيّةٌ لمحترفي العلاقات العامّة الّذين يقدّمون ابتكاراتً جديدةً قائمةً على الذّكاء الاصطناعي:

• إبلاغ أصحاب المصلحة: تأكّد من فهم أصحاب المصلحة للغرض من الابتكار، والحسابات (هل هي مفتوحة؟)، وكيفيّة استخدام البيانات، وكيفيّة معالجة مخاوف التّحيّز والخصوصيّة. قم بإعطاء الأولويّة لتحديث غرفة ٩ وتنفيذ خطّة اتّصالاتٍ شاملة.

• تحديد محتوى الذّكاء الاصطناعي: تسمية المحتوى الّذي يتمّ إنشاؤه بالذّكاء الاصطناعيّ بوضوح.

• التماس الملاحظات: نظّم جلساتً منتظمةً لإبداء الرّأي وجهاً لوجهٍ مع أصحاب المصلحة لبناء الثّقة وضمان استدامة أداء العلامة .

• معالجة المخاوف: من خلال معالجة المخاوف المحتملة المتعلّقة بالذّكاء الاصطناعي، يمكن للقادة ضمان توافق الابتكار مع القيم الأوسع والاحتياجات العامّة.

• تحسين مستوى أداء الأعمال: استخدم الملاحظات لتطوير قوائمٍ مرجعيّة وأدواتٍ لمساعدة مجتمع العلاقات العامّة على الالتزام بالقيم والتّوجهات الأخلاقيّة في مجال الذّكاء الاصطناعي.

سوف يساعد هذا النّهج في مواءمة ابتكارات الذّكاء الاصطناعيّ مع القيم المجتمعيّة وتعزيز الثّقة والمساءلة في الاستفادة من الذّكاء الاصطناعي.

الحاجة إلى التّنظيم القوي وتطوير السّياسات

يعدّ التّنظيم القويّ وتطوير السّياسات أمراً ضروريّاً لتوجيه تطوير الذّكاء الاصطناعيّ ونشره. وتؤدّي الحكومات والهيئات الدّوليّة – مثل الجّمعيّة الدّوليّة للعلاقات العامّة 'إيبرا' – دوراً فعّالاً في وضع المعايير والخطط والممارسات المثلى لضمان جعل تقنيّات الذّكاء الاصطناعيّ آمنةً وعادلةً ومفيدةً للمجتمع.

فعلى سبيل المثال، يهدف قانون الذّكاء الاصطناعيّ الّذي أصدره البرلمان الأوروبي إلى حماية الحقوق الأساسيّة والدّيمقراطيّة والاستدامة البيئيّة من الذّكاء الاصطناعيّ عالي المخاطر، مع تعزيز الابتكار في الوقت نفسه. بالنّسبة للولايات المتّحدة، بينما يدرس الكونجرس تشريعاتً محتملة، سنّت العديد من المدن والولايات لوائح تقيّد استخدام تقنيّة الذّكاء الاصطناعيّ في مجالاتٍ مثل تحقيقات الشّرطة. كما أصدر الرّئيس بايدن توجيهاتً للوكالات الحكوميّة بمراجعة الذّكاء الاصطناعيّ بحثاً عن أيّ تهديداتٍ للأمن القوميّ أو الاستقرار الاقتصادي. وهذه الجّهود الجّماعيّة تؤكّد على أنّ الابتكار لا ينبغي أن يضرّ بالمعايير الأخلاقيّة أو الرّفاهية المجتمعيّة.

وتماشياً مع رسالتنا المتمثّلة في تحقيق الرّيادة الفكريّة في مجال الاتّصالات العالميّة، أطلقنا في الجّمعيّة الدّوليّة للعلاقات العامّة منذ فترة مجموعةً من المبادئ التّوجيهيّة للذّكاء الاصطناعيّ والعلاقات العامّة كنقطة انطلاقٍ لعملنا المتعمّق في هذا المجال. كانت هذه المبادئ التّوجيهيّة الأوّليّة نقطة انطلاقٍ للتّذكير بأنّ محتوى الذّكاء الاصطناعيّ ينطوي على إمكانيّة تعزيز العلاقات العامّة وإمكانيّة التّحيّز وإساءة الاستخدام والخداع والضّرر.

ويمكن لقادة الاتّصالات سدّ الفجوة بين التّوقّعات التّنظيميّة وقدرات القطاع. ويمكنهم من خلال الاستفادة من مهاراتهم وتعزيز الحوارات الصّناعيّة، أن يساعدوا في وضع إطار عملٍ يعزّز الابتكار مع حماية المصالح المجتمعيّة.

التّركيز على التّقدّم التّكنولوجيّ والوعي العام

إنّ التّقدّم التّكنولوجيّ أمرٌ بالغ الأهمّية لمستقبل الذّكاء الاصطناعي، ممّا يسلّط الضّوء على الحاجة إلى الابتكار المستمر لجعل الذّكاء الاصطناعيّ أكثر كفاءةً وقدرةً على مواجهة التّحدّيات المعقّدة. كما أنّ تحسين الوعي العام والتّثقيف بشأن إمكانات الذّكاء الاصطناعيّ وحدوده واستخدامه الأخلاقيّ لا يقلّ أهمّيةً عن ذلك.

وتكمن إحدى التّحدّيات الرّئيسيّة في الوتيرة السّريعة لاختراقات الذّكاء الاصطناعي، والّتي لا تترك وقتاً كافياً للفهم والتّفكير. وهنا يضطلع المتخصّصون في مجال الاتّصالات والإدارات بدورٍ مهمٍّ في معالجة هذه المشكلة عن طريق:

• رفع مستوى الوعي.

• إنشاء "نظام إنذار" لتقييم الابتكارات وإبلاغ أصحاب المصلحة.

• إنشاء محتوىً جذّاب والعمل مع وسائل الإعلام والشّخصيّات المؤثّرة لنشر المعرفة.

يساعد هذا النّهج في بناء الثّقة بين المؤسّسات وأصحاب المصلحة، ومواجهة المعلومات المضلّلة وتعزيز الاستخدام المسؤول للذّكاء الاصطناعي. كما يُعدّ وجود جمهورٍ مطّلعٍ أمراً ضروريّاً للاندماج الأخلاقيّ لتقنيّات الذّكاء الاصطناعي.

الخلاصة: رؤيةٌ لمستقبل الذّكاء الاصطناعي

هناك إجماعٌ قويٌّ على ضرورة مراعاة الاعتبارات الأخلاقيّة والتّطوير المسؤول في قطاع الذّكاء الاصطناعي. وعلى الرّغم من أنّ التّقدّم التّكنولوجيّ أمرٌ بالغ الأهمّية، إلّا أنّه يجب أن يكون مصحوباً بأطرٍ أخلاقيّةٍ ورقابةٍ تنظيميّةٍ وجمهورٍ واعٍ.

وبصفتنا متخصّصين في مجال الاتّصالات، تقع على عاتقنا مسؤوليّة تشكيل مستقبلٍ يتخطّى فيه الذّكاء الاصطناعيّ الحدود التّكنولوجيّة مع ضمان أن تكون الفوائد شاملةً ومستدامةً ومشتركةً على نطاقٍ واسع، مع مراعاة إدارة المخاطر. ويمكننا معاً أن نتعامل مع تعقيدات الذّكاء الاصطناعيّ ونضمن توظيفه كقوّةٍ للخير وتعزيز المعايير الأخلاقيّة والرّفاهيّة المجتمعيّة.

يستند هذا المقال إلى استبيانٍ قمتُ بإجرائه. وأنا ممتنّةٌ للغاية للرّدود الّتي تلقيتها من أشخاصٍ في أماكنٍ مثل أوروبا والشّرق الأوسط وأفريقيا والولايات المتّحدة وآسيا. وقد نُشر لأوّل مرّةٍ على موقع فوبس هنا.

المؤلّفة سفيتلانا ستافريفا Svetlana Stavreva

سفيتلانا ستافريفا، عضو مجلس إدارة IPRA والرّئيسة السّابقة لـIPRA  لعام (2020-2019).

https://www.ipra.org/news/itle/itl-579-the-future-of-ai-ethical-development-regulation-and-education-take-center-stage/

ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد

تحذير واجب.