إضفاء الطّابع الإنساني على الذّكاء الاصطناعي: مشاركة الناس في جوهر الحوار



يمكن لمحترفي العلاقات العامّة سدّ الفجوة بين التّكنولوجيا والبشريّة - وعلينا أن نفكّر في الذّكاء الاصطناعيّ بوصفه "تفسيراً اصطناعيّاً". بقلم روجر هورني Roger Hurni

 

لدى كلّ شخصٍ رأيٌ حول الذّكاء الاصطناعي (AI)، بصرف النّظر عمّن تتحدّث معه. فالبعض يخشى فقدان وظائفهم، بينما يعتقد البعض الآخر أنّ هذا الأمر يمثّل حدوداً جديدةً وجريئةً، وتطوّراً طبيعيّاً للبشريّة.

حيث كشف تقريرٌ حديثٌ صادرٌ عن جامعة ستانفورد أنّ الذّكاء الاصطناعي قد تفوّق على البشر في العديد من المهام الأساسيّة، ممّا يستلزم معاييراً جديدةً لتقييم أداء الذّكاء الاصطناعي. يؤكّد هذا التّقدّم على مدى التّحمّس حول قدرة الذّكاء الاصطناعي على إحداث ثورةٍ في الصّناعات، ولكنّه يزيد أيضاً من المخاوف بشأن التنقل بين الوظائف والآثار الأخلاقيّة المترتّبة على الأنظمة ذاتيّة التّشغيل بشكلٍ متزايد.

ليست هذه المجموعة من المخاوف والفرص بجديدة. فتاريخ البشريّة مليءٌ بالتّطوّرات التّكنولوجيّة، ومع كلّ تقدّمٍ تكنولوجيٍّ جديد، تتكرّر نفس المشاعر المتقلّبة.

على سبيل المثال - على الرّغم من أنّ مطبعة غوتنبرغ حلّت محل النُسّاخ، إلّا أنّها جعلت كميّةً هائلةً من المعرفة في متناول الجّميع. نعم، لقد فقدَ عددٌ قليلٌ من النّاس وظائفهم على المدى القصير، ومع ذلك لا يمكن إنكار الفوائد الّتي عادت على البشريّة على المدى الطّويل. أنا متأكّدٌ من أنّ النّاس في تلك الحقبة كانت لديهم نفس الآمال والمخاوف الّتي لدينا الآن.

ليس علينا أن نرجع بالزّمن إلى الوراء كثيراً لنرى تكرار هذا النّمط أيضاً. ففي حياتي المهنيّة، رأيت ذلك مع ظهور الكمبيوتر المكتبيّ والإنترنت والآيفون والتّسويق الرّقمي ووسائل التّواصل الاجتماعي. والآن، حان دور الذّكاء الاصطناعي.

هل سيفقد بعض الأشخاص وظائفهم؟ بالتّأكيد سيفقدون. ولكنّ ذلك سيفتح أيضاً صناعاتٍ وفرصاً جديدةً تماماً لا يمكن للنّاس حتّى تخيّلها، ممّا سيزيد من إنتاجيّة الإنسان وفعّاليته بشكلٍ كبير. ومع ذلك، لا تخطئوا في هذا الرّأي بفكرة أنّ تكنولوجيا الذّكاء الاصطناعيّ ستحلّ محلّ البشر ككل، أو أنّ السّلوك البشري والذّكاء العاطفي لا يجب أن يكونا جزءاً من منظومة الذّكاء الاصطناعي.

 

أهمّية اتّباع نهجٍ يركّز على الإنسان في الذّكاء الاصطناعي

يجب علينا مع تبنّينا للمزيد من أدوات الذّكاء الاصطناعي، أن نأخذ بعين الاعتبار الحالة البشريّة في تطوير هذه الأدوات واعتمادها وتنفيذها. وهذا أمرٌ مهمٌّ بشكلٍ خاصٍّ لمحترفي العلاقات العامّة، لمساعدة عملائهم على فهم السّلوكيّات والعقليّات والاحتياجات والمواقف المتطوّرة للأشخاص في هذا العصر الجّديد الّذي يعتمد على الذّكاء الاصطناعيّ والتّركيز على هذه السّلوكيّات.

كما يكمن جزءٌ رئيسيٌّ من هذه العمليّة في إعادة صياغة التوقّعات المحيطة بالذّكاء الاصطناعي. حيث تعتبر إعادة صياغة الموضوع في العلوم السّلوكيّة من أفضل الطّرق لتقليل مخاوف النّاس وزيادة فهمهم. وهذا هو السّبب في أنّني كنت أشير إلى الذّكاء الاصطناعيّ ليس على أنّه ذكاءٌ اصطناعيٌّ فقط، بل تفسيرٌ اصطناعي.

وعند الفحص الدّقيق، يمكن للمرء أن يرى بسهولةٍ أنّ الذّكاء الاصطناعيّ ليس ذكاءً اصطناعيّاً حقّاً. فهو ليس من نوعٍ خاص. وهو بالتّأكيد ليس كياناً واعياً. فهو لا يصنع المعلومات، حتّى لو كنت تعتقد أنّه يفعل ذلك.

أمّا الآن، يُعتبر الذّكاء الاصطناعيّ مجرّد محاكاةٍ للذّكاء البشري. وهو يؤدّي مهاماً مثل التعلّم وحلّ المشكلات بشكلٍ جيّد. واعتباراً من اليوم، يجد الذّكاء الاصطناعيّ أوجه الارتباط في بياناتٍ غير ذات صلة. بعد ذلك، يستخدم تلك النّتائج لتفسير المعلومات الموجودة بطريقةٍ جديدة، ولهذا السّبب أشير إليه بالتّفسير الاصطناعي.

دعني أكون واضحاً: أنا لا أحاول إعادة تسمية الذّكاء الاصطناعي. ولكنّني أقول ببساطةٍ أنّك إذا تعاملت معه على أنّه تفسيرٌ للذّكاء البشري، ستجد أنّك ستكون أقلّ عرضةً للخوف منه. وفي نفس الوقت، يمكنك العمل معه بسهولةٍ أكبر.

 

التّعليم من أجل الحصول على الإجابة أهمّ من تلقّي الإجابة

قمت خلال العام الماضي بتعليم ابني قيادة السّيارة. لنتظاهر للحظةٍ أنّه يمثّل الذّكاء الاصطناعي. وكما هو الحال مع الذّكاء الاصطناعي، يتمتّع بقاعدةٍ معرفيّةٍ عميقةٍ بالقيادة. لقد كان يركب السيّارات مع أشخاصٍ يقودونها؛ لقد شاهد جميع أفلام "Fast and Furious"، ولعب لعبة الفيديو Grand Theft Auto (كثيراً). لقد قرأ كتيّبات القيادة ودرس قواعد الطّريق. وبصفته خبيراً في الذّكاء الاصطناعي، أتوقع أنّه يستطيع القيادة بشكلٍ جيّدٍ تماماً في المرّة الأولى الّتي يقود فيها السيّارة. لكنّ الواقع يخبرني بشيءٍ مختلف.

بدلاً من ذلك، فعلت الشّيء الذّكي. حيث قمت باتّباع نهجٍ سلوكيٍّ يركّز على الإنسان لتعليم ابني القيادة. يبدأ ذلك بفهم دوافعه وراء القيادة وتوقّعاته. مخاوفه وكذلك آماله.

لقد علّمته جميع عناصر السيّارة قبل أن يبدأ القيادة. وبمجرد إتقانه للأمر، علّمته كيفيّة تشغيل السيّارة. وكيفيّة إطفائها. ثم كيفيّة استخدام ناقل الحركة (الغيار). على طول الطّريق، قام ببناء مجموعةٍ من المهارات من خلال تفسير ما يتعلّمه، إلى ما يحتاج إلى القيام به بعد ذلك.

وهذه هي الخدعة الحقيقيّة للذّكاء الاصطناعي، إذ يتعلّق الأمر بالتّعامل معه، ليس من منظور تلقّي الإجابة؛ ولكن من منظور التّعليم. ستحصل على الإجابة الّتي تريدها، ولكنّك لن تحصل على أفضل إجابةٍ إلّا إذا قمت بتعليم الذّكاء الاصطناعيّ ما تريده.

المشكلة تكمن في عدم تعامل أحدٍ مع الذّكاء الاصطناعيّ بهذه الطّريقة.

 

دور العلاقات العامّة في تبنّي الذّكاء الاصطناعي

يتحدّث الجّميع عن تطوير الذّكاء الاصطناعي، ومعظمهم يتحدّث عن أدواته والمخاوف بشأن المستقبل، ولكنّنا فقدنا بطريقةٍ ما تركيزنا على النّاس. كيف يتغيّر سلوكهم، كذلك طريقة تفكيرهم واحتياجاتهم ومواقفهم - خاصّةً في عصر الذّكاء الاصطناعيّ وتزايد انعدام الثّقة. وبصفتنا متخصّصين في مجال التّواصل، يجب أن نركّز على الأشخاص الّذين يستخدمون الذّكاء الاصطناعي، وكيف يمكنهم العمل معه. باختصار، يمكن لمحترفي العلاقات العامّة سدّ الفجوة بين التّكنولوجيا والإنسانيّة.

يمكن أن يبدأ ذلك من خلال تقديم المشورة للعملاء بشأن أخلاقيّات الذّكاء الاصطناعيّ وسياسات تبنّيه. ففي النّهاية، يجب ألا تقفز الشّركة إلى استخدام الذّكاء الاصطناعيّ دون فهمٍ واضحٍ للجّوانب السّلبية لاستخدامه. كما يمكن لمحترفي العلاقات العامّة مساعدة العملاء على تجنّب أشياء مثل الانتحال، أو انتهاك حقوق النّشر، أو مجرّد نسخ ولصق مخرجات الذّكاء الاصطناعيّ في بيانٍ صحفيٍّ، على سبيل المثال.

وبمجرّد أن يكون هناك فهمٌ جيّدٌ لكيفيّة تجنّب التّداعيات السّلبيّة للذّكاء الاصطناعي، يمكن لمحترفي العلاقات العامّة مساعدة العملاء على دمج نهجٍّ بشري عند العمل مع الذّكاء الاصطناعي. يمكن أن يبدأ ذلك من خلال تحديد أدوات الذّكاء الاصطناعيّ الأكثر منطقيّةً لزيادة العمليّات والموظّفين. بعد ذلك، يمكنك الانتقال إلى تعليم هندسة الإجابات السّريعة بحيث يتعلّم الذّكاء الاصطناعيّ نوع الإجابة الّتي تريدها في النّهاية.

وهذا يعني تجاوز مطالبة الذّكاء الاصطناعيّ بكتابة بيانٍ صحفيٍّ حول منتجٍ جديدٍ محدّد. قد يكون النّهج الأفضل هو تعليم الذّكاء الاصطناعي السّياق المتعلّق بمنتجٍ جديد. ما هي دوافع العملاء لاستخدامه؟ ما القيمة الّتي يجلبها المنتج؟  ما هي سلبيّات استخدام المنتج الّتي يجب أن يعرفها العميل؟ يمكن لمطالباتك أن تضيف تعقيداً وثراءً إلى النّتيجة النّهائيّة مع كلّ إجابةٍ من إجابات الذّكاء الاصطناعي. وعلى الرّغم من أنّ الوصول إلى هذه النّتيجة قد يستغرق وقتاً أطول قليلاً، إلّا أنّ صبرك سيُكافأ بجودة الذّكاء الاصطناعيّ من خلال نهجٍ يركّز على الإنسان. وهكذا سيقلّل العمل مع الذّكاء الاصطناعيّ من خلال عدسة التّفسير الاصطناعيّ من الخوف المحيط بتطبيقه.

 

المؤلّف روجر هورني Roger Hurni

بصفته مؤسّس Off Madison Ave وLighthousePE، أسّس روجر هورني لنفسه مكانةً فريدةً من نوعها، حيث يقدّم منظوراً متميّزاً للتّحدّيات والفرص التّنظيميّة. وقد مكّنه عمله في مجال التّسويق السّلوكي من تحقيق نتائج متميّزة لعملائه من خلال فكّ رموز السّلوك البشريّ وتحويل الرّؤى إلى استراتيجيّاتٍ قابلةٍ للتّنفيذ، وتشمل مسيرته المهنيّة التّعاون مع علاماتٍ تجاريّةٍ شهيرةٍ مثل شبكة ABC، ونايكي Nike، وفنادق دبل تري Doubletree وفنادق ستاروود Starwood Hotels، وبي إف تشانغز P.F. Chang’s، وبيترسمارت PetSmart، وسافواي Safeway، وويلز فارجو Wells Fargo، وWD-40. كتابه الأوّل "Outthink. Outperform. حوّل مؤسّستك من خلال التّسويق السّلوكي"، صدر في عام 2024.

 

https://www.ipra.org/news/itle/itl-593-humanizing-ai-putting-people-at-the-heart-of-the-conversation/

 

ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد

 

تحذير واجب.

 
لا يحق نشر أي جزء من منشورات ميديا & PR، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله على أي نحو، سواء إلكترونياً أو ميكانيكياً أو خلاف ذلك دون الاشارة الى المصدر، تحت طائلة المساءلة القانونية
 

يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:

info@ipra-ar.org

 

 


تابعنا :
آخر المقالات:
آخر الأخبار :