قيمة السمعة المؤسسية: أحد الأصول الاستراتيجية في عالم معقد


في ظل المشهد العالمي المتقلب اليوم، برزت السمعة كأحد الأصول المهمة للشركات في جميع أنحاء العالم، فهي تدعم القيمة السوقية وتعزز ثقة المستثمرين. ووفقاً لتقرير عائدات السمعة لعام 2024 الصادر عن شركة Echo Research، باتت السمعة الآن تمثل حوالي 30% من القيمة السوقية للشركات المدرجة في كلا جانبي المحيط الأطلسي. ويمثل هذا زيادة مهمة على أساس سنوي، مما يؤكد الاعتماد المتزايد على السمعة كعامل استقرار في الأوقات المضطربة. وبالنسبة لأعضاء الجمعية الدولية للعلاقات العامة (IPRA) والقادة في مجال الاتصال، تؤكد هذه الرؤى على الأهمية الاستراتيجية لإدارة السمعة كوسيلة للمرونة والنمو المؤسسي.

  1. السمعة كمحرك للسوق

تصاعدت قيمة سمعة الشركات في المملكة المتحدة والولايات المتحدة على حدٍ سواء، مما خلق فرصاً ومخاطر تتطلب إدارة متطورة. ففي المملكة المتحدة، تعزو شركات من الدرجة الأولى مثل شل Shell، وأسترازينيكا AstraZeneca، وبريتش بتروليوم BP، ودياجو Diageo، ويونيليفر Unilever، أكثر من 50% من قيمتها السوقية إلى السمعة. كما أن الوضع في الولايات المتحدة على نفس القدر من الأهمية، حيث تستمد شركات التكنولوجيا العملاقة مثل إنفيديا Nvidia، وأمازون Amazon، وأبل Apple، ومايكروسوفت Microsoft، وألفابيت Alphabet، ما يقرب من نصف قيمتها السوقية من سمعتها. وتوضح هذه الأرقام أن السمعة ليست مجرد انعكاس للأداء السابق، بل هي مؤشر استشرافي يعزز ثقة المستثمرين في قدرة الشركات على مواجهة التحديات المستقبلية.

كما أن الآثار المترتبة على ذلك بالنسبة للقائمين على التواصل عميقة. إذ ينظر أصحاب المصلحة بشكل متزايد إلى سمعة الشركات باعتبارها مؤشراً للاستقرار والريادة، لذا يجب على المتخصصين في مجال التواصل أن يضمنوا أن تكون روايات المرونة والابتكار والسلوك الأخلاقي واضحة وموثوقة. فوظيفة العلاقات العامة لم تعد هامشية، بل أصبحت محورية في تشكيل التصورات التي تدعم تحقيق عائدات مالية كبيرة.

  1. الاستقرار في مشهد عالمي متغير

لقد أدخل المناخ الجيوسياسي لعام 2024 تعقيدات تزيد من أهمية سمعة الشركات. حيث تعمل الشركات الآن في ظل بيئة تتسم بالتوترات الدولية، والانتخابات السياسية، والتحولات الاقتصادية، والتغيرات التنظيمية، التي تتباين على نطاق واسع عبر الأسواق. وفي خضم هذا المشهد، برزت السمعة كأداة حاسمة للحفاظ على الاستقرار. على سبيل المثال، رغم استفادة شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة مثل إنفيديا Nvidia من التقييمات المعززة للسمعة، إلا أنها في الوقت نفسه تتخطى الحساسيات الجيوسياسية المتعلقة بالسيادة التكنولوجية، والمخاوف المتعلقة بالملكية الفكرية.

ويتمثل دور أخصائيي العلاقات العامة في مثل هذه البيئة في مراقبة وتوقع التحولات في المشهد العالمي، ومواءمة رسائل الشركات مع التوقعات المتغيرة للمستثمرين والعملاء والمنظمين. وسواء تم ذلك من خلال تعزيز الشفافية أو المسؤولية المؤسسية أو التواصل الاستراتيجي، يمكن للسمعة التي تتم إدارتها بشكل جيد أن تكون بمثابة حاجز يحافظ على ثقة المساهمين خلال فترات الاضطرابات الجيوسياسية.

  1. التفاوتات القطاعية في تأثير السمعة

تتفاوت قيمة السمعة بشكل كبير عبر القطاعات، كما يتضح من نتائج تقرير إيكو ريسيرش Echo Research. فعلى سبيل المثال، تُظهر شركات الطاقة والرعاية الصحية في المملكة المتحدة أعلى المساهمات المبنية على السمعة في تعزيز القيمة السوقية، حيث تمثل السمعة حوالي 40% من قيمتها السوقية بما يفوق المقاييس المالية التقليدية. وعلى النقيض من ذلك، تُظهر قطاعات مثل الاتصالات والعقارات مساهمات متواضعة في السمعة، مما يشير إلى أن الشركات في هذه القطاعات تواجه تحديات واضحة في الاستفادة من السمعة كعامل تمييز.

كما أنّ فهم الفروق بين مختلف القطاعات أمر ضروري لمحترفي الاتصالات الذين يهدفون إلى تعزيز سمعة الشركات. فبالنسبة للقطاعات التي تثير اهتمام الجمهور بطبيعة الحال - مثل الطاقة والرعاية الصحية والتكنولوجيا - يُعتبر بناء الثقة والحفاظ عليها أمراً بالغ الأهمية. ومن خلال المعالجة الاستباقية للقضايا البيئية والاجتماعية والإدارة الرشيدة (ESG)، يمكن لهذه الشركات الحفاظ على قيمة السمعة بطريقة تتماشى مع أولويات المستثمرين والتوقعات المجتمعية.

  1. تحدي الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية: الامتثال أم إيجاد القيمة؟

تتمثل إحدى أكثر الأفكار اللافتة للنظر في التقرير، في تزايد الشكوك حول العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة التي ينظر إليها بعض المستثمرين بشكل متزايد على أنها تكاليف مدفوعة بعوامل الامتثال بدلاً من محركات القيمة. ففي السنوات السابقة، كان يتم الاحتفاء بمبادرات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية وحوكمة الشركات، باعتبارها ركائز لسمعة الشركات؛ ولكن في عام 2024، تغيرت النظرة إلى العديد من الشركات. حيث أصبح المستثمرون أكثر فطنة، ويولون الأولوية لتدابير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، وحوكمة الشركات التي تُظهر فوائد ملموسة أو مزايا تنافسية. أما بالنسبة للشركات العاملة في القطاعات التي يكون فيها الامتثال لقواعد الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية إلزامياً، مثل الطاقة والتصنيع، يكمن التحدي في تحقيق التوازن بين الالتزام التنظيمي والمبادرات الاستراتيجية القائمة على القيمة التي تؤثر إيجاباً على السمعة.

يمثل هذا التغيير في المنظور فرصة وتحدياً لقادة الاتصال. فمن الضروري صياغة نهج دقيق في التعامل مع الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية يتجاوز مجرد الالتزام، مع تسليط الضوء على المبادرات التي تعزز القيمة المؤسسية بشكل حقيقي. كما يمكن لفرق العلاقات العامة وفرق الاتصال المؤسسي أن تلعب دوراً محورياً من خلال عرض الجهود الحقيقية والمؤثرة في مجال الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية التي تتماشى مع القيم المؤسسية وتلقى صدى لدى أصحاب المصلحة الرئيسيين.

  1. مخاطر تدهور السمعة

على الرغم من أن السمعة القوية يمكن أن تكون أحد الأصول القوية، إلا أن السمعة السيئة تنطوي على الكثير من المخاطر. فوفقاً لتقرير Echo Research، شهدت حوالي 6% من شركات مؤشر فوتسي FTSE انخفاضاً في القيمة السوقية في عام 2024 بسبب الأضرار التي لحقت بسمعتها، مع خسارة إجمالية قدرها 4.6 مليار جنيه إسترليني. وهذه النتيجة تؤكد على الحاجة إلى إدارة فعالة للأزمات واستراتيجيات تخفيف المخاطر. على سبيل المثال، يسلط الاندماج بين شركتي Britvic وCarlsberg الضوء على المخاطر التي ينطوي عليها التآزر في مجال السمعة. وتقدر شركة إيكو للأبحاث أن الإدارة الفعالة للسمعة يمكن أن تعزز القيمة السوقية للكيان المندمج بمبلغ 872 مليون جنيه إسترليني، بينما قد يؤدي سوء الإدارة إلى خسارة 2.1 مليار جنيه إسترليني.

وفي ضوء هذه النتائج، يجب على المتخصصين في مجال الاتصال التركيز على الرصد الاستباقي للسمعة وتقييم المخاطر. ولا غنى عن أدوات مثل تحليل مشاعر أصحاب المصلحة، ومراقبة وسائل الإعلام، ومقارنة المنافسين، لتحديد المخاطر المحتملة والاستفادة من فرص تحسين السمعة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد ضمان مواءمة القيادة العليا مع استراتيجيات الاتصال في التخفيف من المخاطر المرتبطة بأزمات السمعة.

  1. الحساسيات الجيوسياسية وفرص تحسين السمعة

يُمثل المسرح العالمي في عام 2024 تحديات فريدة من نوعها، ولكنه يوفر أيضاً فرصاً تتعلق بالسمعة للشركات التي تُظهر ريادتها في القضايا ذات الاهتمام الدولي. ففي أعقاب التوترات الجيوسياسية المتزايدة، قد تجد الشركات التي تتخذ موقفاً مبدئياً بشأن قضايا مثل خصوصية البيانات والاستدامة البيئية وأخلاقيات الشركات نفسها، فرصة لتعزيز سمعتها. على سبيل المثال، يمكن لشركات التكنولوجيا التي تعالج المخاوف المتعلقة بالخصوصية بطريقة شفافة، أو شركات الطاقة التي تلتزم بأهداف استدامة واضحة وقابلة للقياس، أن تعزز مكانتها في أعين المستثمرين والمستهلكين على حدٍ سواء.

كما يجب على قادة العلاقات العامة وضع استراتيجيات تواصل تعالج هذه المتغيّرات الجيوسياسية المعقدة. وقد ينطوي ذلك على التعاون مع فرق العلاقات الحكومية، أو تحقيق الشفافية بشأن ممارسات سلسلة التوريد، أو المبادرات التي تُظهر الالتزام بمعايير العمل العادلة في الأسواق الناشئة. ومن خلال معالجة هذه القضايا بشكل مباشر، يمكن للشركات تحويل المخاطر الجيوسياسية إلى فرص لنمو السمعة.

  1. الضرورة الاستراتيجية لإدارة السمعة

إن الدور المتطور للسمعة كأصل استراتيجي، يضع المتخصصين في مجال الاتصالات في طليعة من يقومون بإيجاد القيمة. وكما يشير تقرير "عائد السمعة"، تُصبح الشركات التي تدير سمعتها بفعالية في وضع أفضل يسمح لها بتجاوز حالات الشك والارتقاء بالنمو على المدى الطويل. ومن خلال إعطاء الأولوية للشفافية والسلوك الأخلاقي والحوكمة المسؤولة، يمكن للشركات تعزيز مكانتها من حيث السمعة، وزيادة قيمتها السوقية.

أما بالنسبة لأعضاء IPRA، تُظهر الخلاصة الرئيسية كيف أنّ السمعة ليست أصلاً ثابتاً؛ فهي مورد استراتيجي حيوي يجب رعايته وحمايته باستمرار. وفي عالم يتسم بالحراك الجيوسياسي المعقد وتوقعات المستثمرين المتغيرة، تصبح الإدارة الفعالة للسمعة أكثر من مجرد مهمة اتصالات، إنها ضرورة استراتيجية تشكّل المسار المستقبلي للمؤسسات في جميع أنحاء العالم.

المؤلفة ساندرا ماكلويد Sandra Macleod

ساندرا ماكلويد، حاصلة على شهادة FIPR، CMgr CCIM وشاهدة خبيرة في السمعة. الرئيس التنفيذي لمجموعة إيكو للأبحاث والشركات الأكثر شهرة في بريطانيا. الرئيس المشارك للجنة جوائز بيج. ورئيسة لجنة التحكيم في مجلس أمناء جوائز MCA.

https://www.ipra.org/news/itle/itl-605-the-value-of-corporate-reputation-a-strategic-asset-in-a-complex-world/

ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد

تحذير واجب.

لا يحق نشر أي جزء من منشورات ميديا & PR، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله على أي نحو، سواء إلكترونياً أو ميكانيكياً أو خلاف ذلك دون الاشارة الى المصدر، تحت طائلة المساءلة القانونية

يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:

info@ipra-ar.org

Follow IPRA:

اتصل بنا

Mobile1 : +961-70043459
Mobile2 : +963-116122067
Fax :+963-0116117020
Email :ingo@ipra-ar.org