إتقان التواصل في الأزمات: دروس مستفادة من صناعة الطيران
لقد طوّرت صناعة الطيران إجراءات منظمة ومختبرة لإدارة الأزمات. ويمكن تكييف هذه الممارسات الجيدة مع الاتصالات المؤسسية. بقلم جاسيك لاوريكي Jacek Ławrecki.
لقد كشفت الأزمات العالمية الأخيرة عن قيمة البساطة والاتساق والصدق في الاتصالات. فالقادة الذين طبقوا هذه المبادئ نجحوا في التعامل مع المواقف المضطربة بفعالية، بينما أولئك الذين تسرعوا في العمل غالباً ما أنتجوا قواعد وأوامر ورسائل متناقضة، مما أدى إلى تفاقم حالة الارتباك والشك.
أمّا بالنسبة للشركات التي تواجه أزمات كبيرة، يعتبر التواصل الواضح والمتسق أمراً حيوياً للحفاظ على الثقة بين الموظفين وأصحاب المصلحة. لكن ما الذي يجب على القادة فعله بالضبط؟ التواصل الفعال في حالات الأزمات ليس أمراً بديهياً ولا سهلاً للوهلة الأولى. ومع ذلك، توفر الصناعات التي لها تاريخ طويل في إدارة حالات الطوارئ التي تهدد الحياة رؤى قيّمة. إحدى هذه الصناعات هي الملاحة الجوية.
وبصفتي طياراً خاصاً ومحترفاً في مجال الاتصالات يتمتع بخبرة تزيد عن 25 عاماً، سأستفيد من هاتين الخلفيتين لاقتراح نهج للتواصل في الأزمات مستوحى من صناعة الطيران. لقد طورت منظومة صناعة الطيران إجراءات منظمة ومختبرة لإدارة الأزمات، ويمكن تكييف هذه الممارسات المثلى مع الاتصالات المؤسسية. فيما يلي قائمة مرجعية من خمس خطوات لإدارة التواصل أثناء الأزمات غير المتوقعة.
الخطوة 1: الاستعداد قبل حدوث الأزمة
على الرغم من أننا لا نستطيع التنبؤ بكل أزمة، إلا أنّ العديد من الأزمات يمكن التنبؤ بها. الاستعداد هو الخطوة الأكثر أهمية في تخفيف الأضرار. في مجال الطيران، يشمل الاستعداد التدريب الموحّد والإجراءات الموثقة وقوائم المراجعة والمعدات التي تخضع للصيانة الجيدة. أما في مجال الاتصالات، فإن الاستعداد أمر بالغ الأهمية أيضاً، وهو يشمل:
• تحديد الهدف: يجب أن يفهم الموظفون الهدف الأسمى للمؤسسة والذي يفوق النجاح المالي. فالمهمة الواضحة تعزز التوافق. على سبيل المثال، يتم تعريف هدفنا في شركتي على أنه "تعزيز عالم يزدهر فيه الناس والمؤسسات والطبيعة معاً". ويرتبط كل فرد في المؤسسة بهذه الرؤية. ماذا عن الهدف الأسمى لمؤسستك، وهل يفهمه الجميع؟
• ضمان وجود الأشخاص المناسبين في المكان المناسب: من المسؤول عن الاتصالات أثناء الأزمات؟ هل هو الرئيس التنفيذي أم مدير اتصالات مدرّب أم خبير خارجي؟ من الضروري أن يكون لديك فريق معيّن ومدرّب للاتصالات أثناء الأزمات.
• إرساء التدابير اللازمة: يجب أن تكون هناك بروتوكولات مكتوبة للتواصل في حالات الأزمات، ويجب تدريب الموظفين عليها. تضمن قوائم المراجعة البسيطة للسيناريوهات المحتملة عدم إغفال حتى الفرق المتمرسة عن الإجراءات الحاسمة في حالات الضغط العالي.
• إنشاء قنوات اتصال فعالة: يجب إنشاء أنظمة بريد إلكتروني آمنة، ومنصات إنترانت، وأدوات لعقد اجتماعات عبر الفيديو، وبرامج إدارة الأزمات واستخدامها بانتظام. إذا كانت هذه القنوات غير مألوفة أو غير موثوقة، فلن تؤدي الغرض منها عند وقوع أزمة.
الخطوة 2: حافظ على هدوئك وقم بتقييم الموقف
هناك قول مأثور في مجال الطيران: "عندما تواجه حالة طوارئ، أول شيء يجب عليك فعله هو ضبط ساعتك." تؤكد هذه العبارة على أهمية التريّث لتقييم الموقف قبل التصرّف. في مجال الطيران، يمكن أن تكون ردود الفعل الفورية قاتلة إذا لم يتم التفكير فيها بعناية. وبالمثل، في اتصالات الأزمات، يمكن أن يؤدي التسرّع في إصدار بيان أو تطبيق أحد الحلول دون فهمٍ كامل للموقف إلى إلحاق الضّرر أكثر من النّفع.
يكمن المفتاح في جمع البيانات وتحليلها وتحديد أفضل مسارٍ للعمل قبل اتّخاذ القرارات أو التواصل خارجياً. فقد يؤدي التسرّع في ردّ الفعل إلى رسائل غير متسقة وإلى زعزعة الثقة.
الخطوة 3: تحديد الأولويّات بوضوح
في مجال الطيران، القاعدة في حالات الطوارئ هي: الطيران، والملاحة، والتواصل. يجب على الطيارين أولاً التحكم في الطائرة، ثم تحديد موقعهم وخياراتهم، وبعد ذلك فقط التواصل مع مركز مراقبة الحركة الجوية. وينطبق المبدأ نفسه على إدارة الأزمات. يجب على القادة:
1. معالجة التهديد الأكثر إلحاحاً (على سبيل المثال، المخاوف المتعلقة بالسلامة والاستقرار التشغيلي).
2. تحديد الأولويات بناءً على القيم التنظيمية المحددة مسبقاً. في شركتي، السلامة أمر بالغ الأهمية. إذا كان الموظفون في خطر، فإن أولويتنا هي حمايتهم أولاً، على أن تلي ذلك الاتصالات والمخاوف المتعلقة بالعمل.
3. ضمان وضوح الأمور الأكثر أهمية حتى تتمكّن المؤسسة من الاستجابة بفعالية.
الخطوة 4: اطلب مساعدة الخبراء
حتى أمهر الطيارين يعتمدون على طاقم مراقبة الحركة الجوية ومساعدي الطيارين وطاقم الطائرة للحصول على الدّعم. لا أحد يدير الأزمات بمفرده.
في أزمات الشركات، يجب على القادة:
• إشراك فريق التواصل في الأزمات للمساعدة في صياغة الرسائل وضمان الاتساق.
• الاستعانة بالخبرة الخارجية عند الضرورة لتجنّب الثغرات الداخلية.
• تفويض المسؤوليات بفعالية حتى يتمكّن القادة من التركيز على اتخاذ القرارات الحاسمة، بينما يتولّى أخصائيو التواصل التعامل مع الرسائل والعلاقات الإعلامية.
إنّ وجود فريقٍ يعمل بشكلٍ جيد يزيد من فرص الاستجابة المنسقة والفعالة.
الخطوة 5: كن موجزاً ودقيقاً وصادقاً
تتطلب حالات الطوارئ في الطيران تواصلاً موجزاً ودقيقاً. وتؤكد كتيبات مراقبة الحركة الجوية على تقليل الحوار غير الضروري. خذ مثلاً الهبوط الاضطراري على نهر هدسون، حين استجاب الكابتن سولينبرغر Captain Sullenbergerلاقتراح المراقب الجوي بالعودة إلى المطار بكلمة واحدة: "غير ممكن".
في الأزمات التجارية، يجب أن يتبع التواصل نفس المبادئ:
• اجعل الرسائل موجزة وواضحة: يحتاج الموظفون وأصحاب المصلحة والجمهور إلى معلومات أساسية لا إلى تفاصيل زائدة.
• حافظ على الاتساق: تؤدي البيانات المتناقضة إلى زعزعة الثقة وإثارة الارتباك. تأكّد من توافق جميع الرسائل عبر المنصات.
• تحلّى بالشفافية: إذا كنت تفتقر إلى المعلومات الكاملة، ما عليك سوى الاعتراف بذلك بدلاً من التخمين. اذكر بوضوح ما هو معروف وما هو غير مؤكّد وما هي الخطوات التي يتم اتخاذها.
الشفافية تبني الثقة والمصداقية، حتى في الظروف الصعبة. فالموظفون والعملاء والشركاء يقدّرون الصدق ويستجيبون بشكل أفضل للقادة الذين يتواصلون بنزاهة.
تطبيق دروس الطيران على الأزمات التجارية
لن يؤدي الالتزام بهذه الخطوات الخمس - التحضير، والحفاظ على الهدوء، وتحديد الأولويات، وطلب المساعدة، والحفاظ على التواصل المختصر والمتسق والصادق - إلى منع وقوع الأزمات، ولكنه سيعزّز بشكلٍ كبير قدرة المؤسسة على تجاوزها بنجاح.
في تاريخ الطيران، انتهت العديد من المواقف الصعبة بشكلٍ جيد بسبب اتّباع الطيارين لإجراءات منظمة لمواجهة الأزمات. وبالمثل، فإن الشركات التي تتعامل مع الأزمات بشكل منهجي يمكن أن تخرج منها أكثر قوة، بعد أن عزّزت مصداقيتها ومرونتها.
فمن خلال اعتماد استراتيجية تواصل جيدة الإعداد وهادئة ومنضبطة، يمكن للمؤسسات إدارة الأزمات بفعالية والحفاظ على ثقة الموظفين وأصحاب المصلحة والجمهور - تمامًا كما يضمن الطيارون المتمرّسون الهبوط الآمن حتى في أصعب الظروف.
المؤلّف جاسيك لاوريكي
جاسيك فاوريكي هو خبير اتصالات استراتيجي يتمتع بخبرة تزيد عن 25 عاماً في مجال العلاقات الإعلامية وإدارة الأزمات وبناء السمعة. منذ عام 2012 وهو يقود الاتصالات في بولندا في شركة فورتوم Fortum، وهي شركة طاقة في دول الشمال الأوروبي. وهو يعمل أيضاً مستشاراً مستقلاً للعلاقات العامة متخصصاً في الاتصالات الاستراتيجية. ولشغفه بالطيران، يحمل جاسيك رخصة طيار خاص، وقد قدم خبرته في مجال العلاقات العامة لمشاريع الطيران الكبرى، بما في ذلك رحلات الطيران المنفرد حول العالم التي تحمل الرقم القياسي العالمي في موسوعة غينيس للأرقام القياسية. تشمل خلفيته مناصب عليا في مجال الاتصالات في نوفارتيس Novartis وأسترازينيكا AstraZeneca ووكالات العلاقات العامة.
زيارة الموقع الإلكتروني للمؤلف
https://www.ipra.org/news/itle/itl-623-mastering-crisis-communication-lessons-from-aviation/
ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد
تحذير واجب.
يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:
info@ipra-ar.org
اخر المقالات








اخر الاخبار







