بناءُ الثّقة في الأوقاتِ المضطربة



كيفَ يساهمُ مسؤولو الاتّصالِ في الشّركةِ في ثقةِ الجّمهور

يُنظرُ إلى قادةِ الأعمالِ على أنّهم موحِّدون، حيثُ يمكنُ للتّواصلِ المستهدَفِ من الرّؤساءِ التّنفيذيّينَ أن يعزّزَ هذهِ الصّورة.  بقلم نيلز هاوت Nils Haut.

في عصرٍ يتّسمُ بالرّيبة والتّغيّرِ السّريعِ، وأزمةِ المُناخِ الحادّة، وارتفاعِ معدّلِ التّضخمِ، في ظلّ اندلاعِ حربينِ كبيرتين، تلعبُ الثّقةُ والتّواصل الفعّالُ أدوارًا محوريّةً في تشكيلِ التصوّرِ العام. حيثُ يوفّر مقياسُ إيدلمان للثّقةِ لعام 2023 الذي تمَّ إصدارهُ مؤخّرًا، وهو استطلاعٌ شاملٌ شملَ ثمانٍ وعشرينَ دولةً مع أكثرَ منِ إثنينِ وثلاثينَ ألفَ مشاركٍ. يوفّرُ هذا الاستطلاعُ رؤىً قيّمةً حولَ ديناميكيّاتِ الثّقةِ والمصداقيّةِ في عالمنا اليوم. ويوضّحُ الدّورَ المهمَّ الّذي تلعبهُ الشّركاتُ والمنظّماتُ وممثّلوها في جميعِ أنحاءِ العالمِ عندما يتعلّقُ الأمرُ بالثّقة. والخبرُ السّيئُ هوَ أنَّ الاستطلاعَ الجديدَ يشيرُ إلى تراجعٍ عالميٍّ في التّفاؤلِ الاقتصاديِّ بمقدارِ عشرِ نقاط، مع مخاوفَ اقتصاديّةٍ شخصيّةٍ تلوحُ في الأفقِ بشكلٍ كبيرٍ بالنّسبةِ لتسعٍ وثمانينَ في المائةِ منَ المشاركين. ومنَ المثيرِ للاهتمامِ أنّ المؤسّساتَ الحكوميّةَ متخلّفةٌ عنِ الشّركاتِ فيما يخصُّ الثّقةَ بمقدارِ اثنتي عشْرةَ نقطةً، معَ وجودِ مخاوفَ بشأنِ المعلوماتِ المضلّلةِ الصّادرةِ عن مصادرَ حكوميّةٍ وإعلاميّة.
وهذا يستدعي اتّباعَ نهجٍ استراتيجيٍّ للاتّصالِ، مع ضمانِ الشّفافيّةِ والموثوقيّة.

الموظّفونَ والرّؤساءُ التّنفيذيّون

 هذا ويسلّطُ الاستطلاعُ الضّوءَ على الموظّفينَ والرّؤساءِ التّنفيذيّينَ بوصفهمُ المصادرَ الأكثرَ ثقةً. إلى جانبِ إظهارِ مدى أهميّةِ التّواصلِ الشّفافِ، الفوريِّ والمستمرِّ. كما يوضّحُ الاستطلاعُ أيضًا أنَّ القائمينَ على الاتّصالِ في سياقِ الأعمالِ قاموا بعملٍ رائعٍ في السّنواتِ الأخيرةِ فيما يخصُّ التّحوّلَ والتّغييرَ والعنايةَ أثناءَ جائحةِ كورونا، والقيادةَ الشّاملةَ لعالَمِ فوكا VUCA؛ الّذي يشيرُ إلى القيادةِ المتقلّبةِ، غيرِ المؤكّدةِ، المعقّدةِ، والغامضةِ؛ يشيرُ إلى القادةِ القادرينَ أو المُجبَرينِ على التّحولِ والاستجابةِ للتّغيّراتِ في الصّناعةِ أو السّوقِ الخاصّةِ بهم من خلالِ حلولٍ متطابقةٍ سريعةٍ ومرنة.

  ويُنظَرُ إلى قادةِ الأعمالِ على أنّهم موحِّدون. بحيثُ يمكنُ للتّواصلِ الهادِفِ من جانبِ الرّؤساءِ التّنفيذيّينَ أن يعزّزَ هذهِ الصّورةَ، ويضعُهم كقادةٍ يفهمونَ اهتماماتِ أصحابِ القرارِ ويتعاملونَ معها.

 ومنَ الأمثلةِ الرّائعةِ على هذا النّوعِ منَ الرّؤساءِ التّنفيذيّينَ هي نيكولا ليبينجر كامولرNicola Leibinger -Kammüller، الرّئيسُ التّنفيذيُّ لشركِة ترَمبف TRUMPF في جنوبِ ألمانيا، وهي حاضرةٌ بشكلٍ كبيرٍ في وسائلِ الإعلامِ التّجاريّةِ ولا تخجلُ منَ انتقاداتِ النّوابِ أوِ الحكوماتِ أوِ الأحزابِ السّياسيّة.  إنّها تتّخذُ موقفًا صريحًا ليسَ فقط في السّياسةِ والاقتصادِ العالميّ، ولكن أيضًا في المناقشاتِ المجتمعيّةِ حولَ التّوازنِ بينَ العملِ والحياةِ أو قضايا الجيلِ زي Z؛ "الجيل زِي Z، والمعروف بالعامية باسم زومِرز Zoomers، هو المجموعة الدّيموغرافيّةُ الّتي تلي جيلَ الألفيّةِ، والجيلُ الّذي يسبِقهُ هو جيلُ Alpha. يستخدمُ الباحثونَ ووسائلُ الإعلامِ الشّعبيّةِ الفترةَ من منتصفِ إلى أواخرِ التّسعينيّاتِ كبدايةٍ لسنواتِ الميلاد لهذا الجيل، وأوائلَ عامِ 2010 كسنواتِ ميلادٍ نهائيّةٍ له."

وتبرُزُ الشّركاتُ باعتبِارِها المؤسّساتَ الأكثرَ ثقةً، الرائدةَ في كلٍّ منَ الكفاءةِ والأخلاقِ. إلى جانِبِ أنَّ توقّعاتِ الشّركاتِ و/أو الرّؤساءِ التّنفيذيّينَ لمعالجةِ القضايا الاجتماعيّةِ عاليةٌ جدًا.  ولهذا السّبب، يجبُ على الشّركاتِ أن تشاركَ بنشاطٍ في تعزيزِ الممارساتِ الأخلاقيّةِ، ومعالجةِ المخاوفِ المجتمعيّةِ، والتّعاونِ معَ الحكومةِ لتحقيقِ الفوائدِ المجتمعيّة.

موقفٌ واضح

يتوقّعُ الموظّفونَ موقفًا واضحًا فيما يخُصُّ القضايا الاجتماعيّةِ وعدمِ المساواة، تِجاه الافتقارِ إلى التّنوعِ أو المعاملةِ غيرِ العادلةِ للآخرين. وبينما تعالجُ السّياسةُ هذهِ القضايا بنشاطٍ، لا يُنظر إلى السّياسيّينَ على أنّهم المصادرُ الأكثرُ ثقةً. والنّاسُ ترغبُ في رؤيةِ شركاتهم ومنظّماتهم تشاركُ، ممّا سيزيدُ منَ الفخرِ والولاءِ لأصحابِ العمل.

كما ينبغي ألّا ننسى كيفَ أنَّ التّأثيرَ المجتمعيَّ يُعدُّ عاملًا حاسمّا عندما يتعلّقُ الأمر باعتباراتِ الوظيفة. حيثُ يمكنُ أن يؤدّي إيصالُ الغرضِ منَ العلامةِ التّجاريّةِ وقيمها إلى جذبِ أفضلِ المواهب. فالشّركاتُ ورؤساؤها التّنفيذيّون الّذين يعالجوَن القضايا المثيرةَ للجّدلِ في بيئةٍ مشحونةِ سياسيًّا، لكنَّهم أيضًا يتّخذونَ موقفًا في قضايا الاستدامةِ، وفي التّنوعِ والشّمولِ، يُنظرُ إليهم على أنّهم أصحابُ عملٍ جذّابونَ وحقيقيّونَ سوف يجذُبونَ بشكلٍ ملحوظٍ المزيدَ من المواهبِ أكثرَ منَ الآخرين.

  ومعَ ذلكَ، يشيرُ الاستطلاعُ إلى وجودِ تصوّرٍ بأنَّ بعضَ الشّركاتِ لا تقومُ بما يكفي في مختلفِ القضايا المجتمعيّة. ويمثّلُ هذا فرصةً للمؤسّساتِ لتحديدِ أولويّاتِ التّواصلِ، ومعالجةِ موضوعاتٍ مثلَ تغيّرِ المناخِ، وعدمِ المساواةِ الاقتصاديّةِ، وإعادةِ مهاراتِ القوى العاملةِ لتبرُزَ بشكلٍ إيجابي.

  ومنَ المحتملِ أنَّ أولئكَ الّذين لا يركّزونَ على هذهِ القضايا سيكونونَ في الجّانبِ الخاسرِ عندما يتعلّقُ الأمرُ بجذبِ المواهب. ولا ينبغي أن ننسى أنَّ المستهلكينَ أيضًا يتّخذونَ قراراتهم بشكلٍ متزايدٍ بناءً على القيمِ والمعتقدات. بالمقابل، إنَّ صياغةَ اتّصالاتِ العلامةِ التّجاريةِ الّتي تتوافقُ مع هذهِ القيمِ تخلق عرضَ بيعٍ فريدٍ، خاصّةً في الأسواقِ التّنافسيّة.
وفي أوقاتِ الشّكِ والرّيبةِ الّتي لا يمكنُ التّنبؤُ بها، فإنَّ الثّقةَ والتّواصلَ الفعّالَ ليسا أمرينِ مرغوبٌ فيهما فحسب، بل ضروريّانِ أيضًا. هذا وتُظهرُ الدّراسةُ الحديثةُ أنّ القائمينَ على الاتّصالات في الشّركاتِ والمؤسّساتِ يقومونَ بعملٍ رائع. وسيكونُ الدّفاعُ عن هذا الدّورِ الرّائدِ للقائمينَ على الاتّصالِ، وزيادةِ ثقةِ الشّركاتِ في موظّفيها تحديًا رئيسيًّا في المستقبلِ القريب.

بالإضافةِ إلى ذلك، يعدُّ مقياسُ الثّقةِ أيضًا إشارةً مهمّةً للمؤسّساتِ لإعطاءِ الأولويّةِ للشّفافيّةِ والممارساتِ الأخلاقيّةِ والتّواصلِ الموجّهِ نحوَ الهدفِ لبناءِ الثّقةِ والحفاظِ عليها في مشهدٍ دوريٍّ متغيّر ودائمِ التّطور.

المؤلف نيلز هاوت Nils Haut

نيلز هاوت، كبير مدراءِ الاتّصالات المؤسّسية، Hapag-Lloyd AG

ترجمة وتدقيق: صَبَا ابراهيم سعيد

 

 

 


تابعنا :
آخر المقالات:
آخر الأخبار :