التّواصلُ الفعّالُ شريانُ الحياةِ في أوقاتِ الأزمات



منظورُ الاتّصالات التّنمويةِ من بنغلادش المعرّضةِ للكوارث
بقلم محمّد عبد القيّوم
Md Abdul Quayyum

يلعبُ التّواصلُ الفعّالُ دورًا محوريًّا في أوقاتِ الأزماتِ من حيثُ تخفيفِ الأضرارِ، وتعبئةِ المواردِ، وتوفيرِ الدّعم في الوقتِ المناسبِ للمجتمعاتِ المتضرّرة. 

ويمكنُ أن يكونَ التّواصلُ الواضحُ والفعّالُ بمثابةِ شريانِ حياةٍ للمحتاجينَ في أوقاتِ الكوارثِ سواءً كانتِ الكارثةُ طبيعيّةً، أو حالةَ طوارئٍ صحيّةٍ عامّة، أو أزمةً إنسانيّة.

وباعتباري متخصّصًا في الاتّصالات الّتي أعملُ في مجالها منذُ أكثرَ من عقدينِ منَ الزّمن، أستكشفُ في هذه المقالةِ لماذا وكيفَ يمكنُ للتّواصل أن يساعدَ في أوقاتِ الأزمات.

أهميّةُ الاتّصالِ في حالاتِ الأزمات

في سياقِ الكوارثِ أو الأزمات، تُعدُّ المعلوماتُ الدّقيقةُ التي يتمُّ جمعها في الوقتِ المناسبِ للأشخاصِ المناسبينَ الّذينَ يستخدمونَ القناةَ الصّحيحةَ، أمرًا بالغَ الأهميّةِ للجّهودِ المبذولةِ في الاستعدادِ للأزمةِ والاستجابةِ لها والتّعافي منها. حيث تُعتبرُ المعلوماتُ أثناءَ الكوارثِ والأزماتِ بمثابةِ شريانِ الحياةِ الّذي يمكنُ أن ينقذَ الأرواحَ ويقلّلَ من تأثيرِ مثلِ هذه الأحداث. وتتمثّلُ إحدى الوظائفِ الأساسيّةِ للاتّصالاتِ أثناءَ الأزماتِ في نشرِ المعلوماتِ الدّقيقةِ في الوقتِ المناسبِ للسّكان المتضرّرين. ونظرًا لأنَّ بنغلادش دولةٌ معرّضةٌ للكوارث، فقد قمتُ بتغطيةِ العديدِ من الأزمات، بدءًا من الكوارثِ الطبيعيّةِ وصولًا إلى أزمةٍ مثلَ كوفيد-19. فأنا أعملُ أثناءَ أيِّ أزمةٍ مع مختلفِ أصحابِ القرارِ لضمانِ حصولِ الأشخاصِ على معلوماتٍ جيّدةٍ حتّى يتمكّنوا منِ اتخاذِ قراراتٍ أفضلَ لحمايةِ أنفسهم ومجتمعاتهم.

التّنسيقُ وتعبئةُ الموارد

يُمَكِّنُ التّواصلُ الفعّالُ مختلَفَ أصحابِ القرارِ، بما فيهم الوكالاتُ الحكوميّةُ والمنظّماتُ غيرِ الحكوميّةِ والمنظّماتُ الدّوليّةُ، من تنسيقِ جهودهم بكفاءة. ففي أوقاتِ الأزمات، يجبُ تعبئةُ المواردِ مثلَ الغذاءِ والإمداداتِ الطّبيّةِ والمأوى بسرعة. والتّواصلُ المناسبُ يضمنُ نشرَ هذهِ المواردِ في الأماكنِ الّتي تكون بأشدّ الحاجة إليها.

بناءُ الثّقة

يكونُ إنشاءُ الثّقةِ والحفاظُ عليها أمرًا بالغَ الأهميّةٍ في أيِّ أزمة. فهو يعزّزُ التّماسكَ الاجتماعيّ، ويضمنُ التّوزيعَ العادلَ للموارد، ويدعمُ جهودَ التّعافي طويلةِ الأجل. علاوةً على ذلك، فإنَّ الثّقةَ الّتي تنشأُ خلالَ إحدى الأزمات تُرسي الأساسَ للمصداقيّةِ في حالاتِ الطوارئِ المقبلة.  ولذلكَ، فإنَّ رعايةَ الثّقةِ والحفاظَ عليها ليسا مجرّدَ عنصر، بل هما محوَرُ الإدارةِ النّاجحةِ للأزمات، وضمانُ قُدرةِ المجتمعاتِ والمؤسّساتِ على مواجهةِ الشّدائد بالوحدةِ والمرونة.


تجربتي خلالَ الكوارثِ الطّبيعيّة

بنغلادش معرّضةٌ للأعاصير. وأنا اكتسبتُ خبرةً في التّعاملِ معَ مثلِ هذهِ الكوارثِ الطّبيعيّةِ أثناءَ عملي في مجالِ الاتّصالات. حيثُ أتعاونُ معَ السّلطاتِ المحليّةِ لإنشاءِ قناةِ اتّصالٍ فعّالةٍ لأنظمةِ التّأهبِ والاستجابةِ أثناءَ أيّ كارثةٍ طبيعيّة. يعتمدُ هذا النّظام على تحديثاتِ الطّقسِ في الوقتِ المناسب، وعلى التّحذيراتِ المبكّرةِ لمساعدةِ المجتمعاتِ الضّعيفةِ على الإخلاءِ إلى ملاجئَ آمنة. كما أضمنُ وصولَ المعلوماتِ المهمّةِ إلى المناطقِ حتّى النّائيةِ منها من خلال البثّ الإذاعيّ المجتمعيّ، والبثِّ الحيّ، والمشاركةِ المجتمعيّة، ممّا ينقذُ أرواحًا لا حصرَ لها.

الاستجابةُ لكوفيد-19

لعبتِ الاتّصالاتُ خلالَ جائحةِ كوفيد-19 دورًا حيويًّا في نشرِ المعلوماتِ حولَ التّدابيرِ الوقائيّةِ ومرافقِ الاختبارِ وحملاتِ التّطعيم. حيثُ استخدمتُ مجموعةً متنوّعةً من قنواتِ الاتّصال، بما في ذلك وسائلُ التّواصلِ الاجتماعيّ والتّلفزيون والتّوعيةِ المجتمعيّة، وذلكَ لضمانِ توفّرِ المعلوماتِ الدّقيقةِ للجميع، ممّا يساعدُ في الحدِّ منَ انتشارِ الفيروس.

أزمةُ الّلاجئين

تستضيفُ بنغلادش عددًا كبيرًا منَ الّلاجئين الرّوهينغا الفارّينَ منَ العنفِ في ميانمار. وقد كان التّواصلُ الواضحُ والمنتظمُ معَ كلٍّ منَ اللّاجئينَ والمجتمعاتِ المضيفةِ أمراً بالغَ الأهميّةِ في تلبيةِ احتياجاتهم وتعزيزِ التّماسكِ الاجتماعيّ.

المهاراتُ المطلوبة

هناكَ حاجةٌ إلى مزيجٍ منَ المهاراتِ والمعرفةِ والصّفاتِ الشّخصيّةِ للعملِ في مجالِ الاتّصالاتِ التّنمويّة.

مهاراتُ الاتّصال

تعتبرُ مهاراتُ الاتّصالِ الكتابيّةُ واللّفظيّةُ القويّةُ أساسيّةً. ويجبُ على أيِّ شخصٍ يرغبُ في الانضمامِ إلى هذا المجالِ أن يكونَ قادرًا على نقلِ قضايا التّنميّةِ المعقدّةِ بشكلٍ واضحٍ وموجزٍ ومقنعٍ إلى مختلَفِ الجّماهير.

المهاراتُ البحثيَّةُ والتّحليليّة

نحتاجُ دائمًا إلى جمعِ البياناتِ وإجراءِ البحوثِ وتحليلِ المعلوماتِ المتعلّقةِ بقضايا التّنمية. وهذا يتضمّنُ التّفكيرَ النّقديَّ والقدرةَ على تجميعِ البياناتِ في رؤًى قابلةٍ للتّنفيذ.

التّفاهمُ بينَ الثّقافات

غالبًا ما ينطوي العملُ التّنمويُّ على العملِ في سياقاتٍ ثقافيّةٍ متنوّعة. حيثُ تُعتبرُ الحساسيّةُ الثّقافيّةُ وإدراكُ الفروقِ الثّقافيّةِ الدّقيقةِ أمرًا بالغَ الأهميّةِ للتّواصلِ الفعّال.

إتقانُ وسائلِ الإعلامِ والتّكنولوجيا

منَ المهمِّ الإلمامُ بمختلَفِ أدواتِ وتقنيّاتِ الاتّصال، بما في ذلك وسائلُ التّواصلِ الاجتماعيِّ، والذّكاءِ الاصطناعيِّ، وأنظمةِ إدارةِ المحتوى، وإنتاجِ الوسائطِ المتعدّدة.

مهاراتُ التّصميمِ الجرافيكيِّ والوسائطُ المتعدّدة

يمكنُ أن تكونَ المعرفةُ الأساسيّةُ ببرامجِ التّصميمِ الرسوميّ، والقدرةُ على إنشاءِ محتوًى متعدّدِ الوسائطِ ميزةً قيّمةً لسردِ القصصِ المرئيّةِ في الاتّصالاتِ الإنمائيّة.

مهاراتُ العلاقاتِ العامّةِ والتّسويق

يُعدُّ بناءُ العلاقاتِ وإدارةُ التّواصلِ الإعلاميِّ وتعزيزُ مبادراتِ التّنميةِ بشكلٍ فعّالٍ أمرًا ضروريًا. كما يمكنُ أن تكونَ المعرفةُ بالعلاقاتِ العامّةِ ومبادئِ التّسويقِ مفيدة.

فهمُ قضايا التّنمية

إنّ الفهمَ القويّ لقضايا التّنميةِ الاقتصاديّةِ والاجتماعيّةِ والبيئيّةِ أمرٌ بالغُ الأهميّةِ. ويجبُ على المرءِ أن يفهمَ التّحدّياتِ والحلولَ المتعلّقةَ بمجالاتٍ مثلَ الفقرِ والرّعايةِ الصّحيّةِ والتّعليمِ والاستدامةِ البيئيّةِ، وماهو أكثرُ من ذلك.

المناصرةُ والحملات

تُعتبرُ مهاراتُ المناصرةِ حيويّةً للتّأثيرِ على الرّأيِ العامِّ وتغييرِ السّياسات. وإنَّ فهمَ كيفيّةِ إدارةِ حملاتِ الدّعمِ الفعّالةِ أمرٌ مهمٌّ في الاتّصالِ التّنمويّ.

القدرةُ على التّكيّف

لا يمكنُ التّنبّؤُ بعملِ التّنميةِ مع الظهورِ المفاجئِ للتّحدّياتِ والفُرص. ومنَ المهمِّ أن تكونَ قادرًا على التّكيّفِ ومنفتحًا على التّغيير.

التّعاطف
يُعدّ منَ الضّروريِّ وجودُ شعورٍ قويٍّ بالتّعاطفِ والشّغفِ لإحداثِ تأثيرٍ إيجابيٍّ على حياةِ النّاس. كما أنَّ الالتزامَ الحقيقيَّ بقضيّةِ التّنميةِ أمرٌ أساسي.

التّواصل
يٌعدُّ بناءُ العلاقاتِ معَ أصحابِ القرارِ، وشركاءِ التّنميةِ، والمنظّماتِ الإعلاميّةِ غيرِ الحكوميّةِ، والوكالاتِ الحكوميّةِ، والمنظّماتِ الأخرى أمرًا مهمًّا للتّعاونِ ومشاركةِ الموارد.

تصوّرُ البيانات

يمكنُ للقدرةِ على إنشاءِ تصوّراتٍ ذاتِ مغزى للبيانات أن تجعلَ بياناتِ التّطويرِ المعقّدةِ أكثر قابليّةً للفهمِ والإقناع.

المسؤوليّةُ الاجتماعيّةُ والأخلاقيّة

منَ الأهميّةِ بمكان فهمُ الاعتباراتِ الأخلاقيّةِ في العملِ التّنمويِّ، بما في ذلكَ الحساسيّةُ الثّقافيّةُ والشّفافيّةُ والمُساءَلة.

سردُ القصص

تُعدُّ القدرةُ على سردِ القصصِ المُقنعةِ أمرًا حيويًّا للتّفاعلِ معَ الجّماهيرِ وإنشاءِ صلةٍ عاطفيّةٍ بقضايا التّنمية.

ومن المهمِّ ملاحظةُ أنَّ أدوارَ الاتّصالِ التّنمويِّ يمكنُ أن تختلفَ بشكلٍ كبيرٍ اعتمادًا على التّنظيمِ المحدّدِ والمشروعِ والجمهورِ المستهدف. ولهذا قد تختلفُ المهاراتُ المطلوبة. ومع ذلكَ فإنَّ الجمعَ بينَ المهاراتِ والخصائصِ المذكورةِ أعلاه يمكنُ أن يساعدَ على النّجاحِ في هذا المجال، وإحداثِ أثرٍ ذي مغزًى على قضايا التّنمية.

خاتمة
هكذا نخلُصُ إلى أنَّ الاتّصالَ الواضحَ والفعّالَ يُشكّلُ العمودَ الفقريَّ لإدارةِ الأزماتِ وجهودِ الاستجابة. ويمكنهُ أن ينقذَ الأرواحَ، ويوفّرَ الدّعمَ الأساسيّ، ويعزّزَ المرونةَ في المجتمعاتِ الّتي تواجهُ الأزمات.

مع ملاحظةِ كيفَ أصبحتِ القدرةُ على التّواصلِ بسرعةٍ وفعاليّةٍ في عالمٍ يزدادُ ترابطًا، أكثرَ أهميّةً من أيِّ وقتٍ مضى في ضمانِ رفاهِ وسلامةِ الجّميعِ في أوقاتِ الأزمات.

المؤلّف محمّد عبدُ القيّوم Md Abdul Quayyum

محمّد عبدُ القيّوم هو رئيسُ قسمِ الاتّصالات، برنامجُ الأممِ المتّحدةِ الإنمائيّ في بنغلادش.

https://www.ipra.org/news/itle/itl-549-effective-communication-a-lifeline-in-times-of-crisis/

ترجمة وتدقيقصَبَا ابراهيم سعيد 


تابعنا :