اليوم الدّولي للمحرقة: العلاقات العامّة مقارنةً بالدّعاية



يتمتّع محترفو العلاقات العامّة  بالقدرة على جعل العالم مكاناً أفضل.

بقلم تامير هاس Tamir Haas.

 

"وجدت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Nature Human Behavior أنّ عناوين الأخبار السّلبيّة تؤدّي إلى تفاعل أكبر من العناوين الإيجابيّة. فكلّ كلمة سلبيّة إضافيّة في العنوان تؤدّي إلى زيادة عدد النّقرات بنسبة 2.3%. قد تبدو هذه الزّيادة صغيرة، ولكن يمكن أن يكون لها تأثير كبير على زيادة مدى وصول المحتوى الخاص بك على نطاقٍ واسعٍ بما فيه الكفاية. أجرى الباحثون 22,743 تجربة مذهلة على القصص الإخبارية على موقع Upworthy، وهو ما يعادل النّظر إلى أكثر من 105,000 عنوان رئيسي."

مأخوذة من مجلة فوربس، 12 أبريل 2023.

 

1. السّؤال الأوّل: كم منكم أغمض عينيه وتساءل من هو هذا الرجل تامير هاس، ولماذا يقتبس ما عرفناه بالفعل منذ أوّل يوم لنا في العمل؟

2. السّؤال الثّاني: كم منكم "تلاعب" بموضوع الرّسالة قبل إرسال بريد إلكتروني إلى أحد المراسلين في الشّهر الماضي؟

 

نعلم جميعاً، كمحترفين في العلاقات العامّة، أنّ مهمّتنا هي تحويل ما هو مهم إلى شيءٍ مثيرٍ للاهتمام. ثمّ يُطرح السّؤال – كيف نفعل ذلك؟ ما هو الثّمن الّذي يدفعه العالم مقابل مهاراتنا؟ هل نجعل العالم مكاناً أفضل أم أسوأ؟ وهل نحن شخصيّاً مسؤولون عن ذلك؟ هل نحتاج إلى تجنّب العمل مع العملاء الّذين نعتقد أنّهم سيئون للعالم أم على العكس من ذلك، عندما يأتي مثل هذا العميل السّيّء للعالم، هل من المهمّ أن نكون هناك بجانبه لمنع العالم من أن يصبح مكاناً أسوأ؟ أعتقد أنّ السّؤال الأكبر هو: ما الّذي تميل لأن تكون عليه أكثر، أتميل لأن تكون محترفاً أم مجرّد شخص من هذا العالم؟

 

هل هناك فرقٌ بين الدّعاية والعلاقات العامّة؟

حسناً، من أجل التّفكير في هذا الاستخدام، أفترض أنّنا بحاجةٍ إلى العودة بضع سنوات إلى الوراء. حيث يُعتقد أن إدوارد بيرنيز Edward Bernays هو من صاغ عبارة "العلاقات العامّة"، وذلك بعد افتتاح شركته الخاصّة وتقديم الخدمة للجّيش الأمريكي. كان المصطلح الشّائع حتّى ذلك الحين هو "الدّعاية".

 

وكان بيرنيز يدرك تمام الإدراك الدّلالة السّلبيّة الّتي أثارتها هذه الكلمة نتيجة لاستخدامها من قبل الألمان خلال الحرب العالميّة الثّانية، فقرّر تغييرها إلى "العلاقات العامّة  - PR". ولم يكن هذا من قبيل الصدفة.. فقد سبقه ناشط قاسٍ يُدعى غوبِلز Goebbels - وهو النّاشط الأسوأ في العالم - حيث حصلت العلاقات العامّة  على اسمها بفضل غوبِلز وشركائه.

 

فكّر في الأمر - كانت هذه فترة لم يكن فيها "استهداف"، ولا فيسبوك، ولا أيّ شبكة تواصل اجتماعيّ أخرى. ظهر شخص ما تمكّن من بناء وتنفيذ أفظع حملة في العالم كانت تهدف إلى تمهيد الطّريق لإبادة الشّعب اليهودي. من الممتع أن تكون كاتب إعلانات جيّد، لكنّ معرفة كيفيّة تنفيذ فكرةٍ ما هي لعبةٌ مختلفة تماماً. وغوبلز؟ عرف غوبلز كيفيّة تنفيذ الأشياء.

لقد فعل غوبلز ما يُفترض أن يفعله موظّفو العلاقات العامّة. فإذا كان المستشارون الإعلاميّون اليوم يجلسون في المكاتب ويرسلون بيانات صحفيّة حول منتج جديد بدلاً من مشاركة متخصّص العلاقات العامّة  في مرحلة التّخطيط للمنتج، لكي يتناسب المنتج المادّي مع الفكرة والبنية التّحتيّة لخطّة العلاقات العامّة  حتّى قبل وجود المنتج – كان غوبلز جزءاً من تلك العمليّة برمّتها. في كلّ التّفاصيل الكبيرة والصّغيرة، مثل تنفيذ إنتاج ترانزستورات الرّاديو الرّخيصة الّتي يمكن أن تتناسب مع أيّ حجم للجّيب وبالتّالي تصل إلى المزيد من الآذان. وبعد سنوات، نجا اليهود، لكنّ تأثير مهندسي الحرب العالميّة ما زال قائماً - لأنّ معاداة السّامية موجودة حتّى يومنا هذا.

 

هل ما زال من الضّروري إحياء اليوم الدّولي لذكرى المحرقة؟

كما هو الحال في كلّ عام، سيتذكّر العالم هذا العام واحدةً من أعظم الكوارث الّتي عرفتها البشريّة على الإطلاق: المحرقة. وإلى اليوم ما زلت أسمع أكثر من مرّة، أسئلةً عن سبب الحاجة لهذا اليوم؟ لماذا تحتاج إلى تذكّر شيءٍ يعرفه الجميع بالفعل؟

حسناً، إليك السّبب:

1. لندن 2018 - بينما كنت أنتظر القطار، بدأت أتحدّث مع ضابط شرطة محلّي. سألني: هل صحيح أنّ "اليهود يصلّون إلى حيّة عوراء تنفث ناراً؟". لقد صُدمت للحظة، ثمّ أضاف ببراءة أنّه شاهد هذا في برنامجٍ تلفزيوني. لم يكن الضابط يقصد الإساءة إليّ، بل أراد حقّاً أن يرى ما إذا كان هذا صحيحاً أم لا.

2. إذا لم يكن ذلك كافياً، فإليك بعض الأرقام. في استطلاع أجريناه قبل بضع سنوات كجزءٍ من حملة في بولندا (استطلاع شمل 311 مراهقاً بولنديّاً تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً من خلال لوح إبسوس IPSOS عبر الإنترنت)، قال 38% منهم إنّ بولندا ليست مكاناً آمناً للمهاجرين اليهود. وكان لدى 23% منهم مشاعر سلبيّة تجاه اليهود. كما قال ما يقرب من عُشر المشاركين إنّ اليهود يسيطرون على الاقتصاد العالميّ والسّياسة العالميّة. وقال 11% أنّهم لا يعرفون ما هو يوم ذكرى المحرقة. في حين قال 7% أنّ المحرقة لم تحدث، و21% غير متأكّدين ممّا إذا كانت حدثت أم لا. هكذا يفكّر ويشعر جيل المستقبل.

'تعدّ لوحات Ipsos المخصصة وسيلة فعّالة للعلامات التّجارية للوصول إلى جماهير المستهلكين أو المرضى أو أصحاب المصلحة التّجاريين أو المواطنين، لإجراء الأبحاث المتكرّرة الّتي تتناول العديد من احتياجات العمل.'

 

إنّ التّغيرات الصّغيرة لا تقلّ خطورةً عن إنكار المحرقة

باعتبارنا متخصّصين في العلاقات العامّة، غالباً ما نحتفظ بالمعلومات لأنفسنا، ولكنّنا لا نعطي الصّحفيين معلومات كاذبة. السّؤال هو – هل هذا يتجاوز الحدود في بعض الأحيان؟ حيث شهدنا في الأعوام الأخيرة حملات خطيرة لا تقلّ خطورة عن إنكار المحرقة ـ وهي حملات متطوّرة تقوم على تغييرات طفيفة في التّاريخ. وسبب خطورة هذه الحملات هو تعقيدها.

إنّها استراتيجيّة تكون فيها المعلومات الّتي يتمّ نشرها مصحوبة بتغييرات "صغيرة" لا ترقى إلى مستوى إنكار الهولوكوست، ولكن من ناحية أخرى، يمكن أن يكون لها تأثير دائم على الأجيال القادمة عندما تتراكم. ليس من قبيل الصّدفة أنّه في استطلاع أجري سابقاً بين 126 ناجٍ من المحرقة، أعرب 58% منهم عن خوفهم من نسيانها.

وهذا واقع خطير وصعب. أضف إلى ذلك أنّ النّاجين من المحرقة يعانون من صدمة ما بعد الصّدمة، وبعضهم يعيش في ظلّ واقع اقتصاديّ صعب وظروف معيشيّة قاسية. وباعتباري حفيداً للنّاجين من المحرقة ومحترفاً في العلاقات العامّة  في السّنوات الأخيرة، قمت بجمع أكثر من نصف مليون دولار من الأموال للمحتاجين النّاجين من المحرقة من خلال حملات العلاقات العامّة  الّتي أنشأتها - ومع ذلك، لا يكفي هذا أبداً.

ولكنّ المدهش هو أنّه عندما وصلنا إلى منازل النّاجين حاملين سلالاً غذائيّة أو بطّانيّات، كلّ ما أرادوه حقّاً هو التّحدث. انتهت الكثير من هذه المحادثات بنظرةٍ صارمة وطلبٍ بسيط - "تأكّد من أنّنا لم ننسى".

 

يزدهر الإبداع في وضع البقاء: ساعِدنا في الحفاظ على ذكرى Shoa حّية

'Shoa هو يوم تذكاريّ دوليّ في 27 كانون الثّاني (يناير) لإحياء ذكرى ضحايا المحرقة، الّتي أسفرت عن إبادة جماعيّة لثلث الشّعب اليهوديّ، إلى جانب عدد لا يحصى من الأقلّيات الأخرى من قبل ألمانيا النّازيّة بين عامي 1933 و1945، في محاولة لتنفيذ "الحل النّهائي" للمسألة اليهوديّة. تمّ اختيار يوم 27 يناير لإحياء ذكرى تحرير معسكر اعتقال أوشفيتز على يد الجّيش الأحمر في عام 1945.'

عندما وصلت إلى حفل الجّوائز الذّهبيّة العالمي GWA كفائز بإحدى الفئات، لم يكن من الممكن أن أكون أكثر فخراً. ولكن ما كنت فخوراً به أكثر هو أنّني فزت بسبب مشروع مخصّص للحفاظ على ذكرى المحرقة. حيث قمنا بمبلغ 1220 دولار أمريكيّ، بإنشاء أوّل معرض في العالم بمساعدة الذّكاء الاصطناعيّ مع النّاجين من المحرقة، مكرّس للحفاظ على ذكرياتهم. كان التّأثير جنونيًا، حيث تمّ نشر ما بين 300 إلى 400 مقالة حول العالم. ومع ذلك، يتطوّر الإبداع الحقيقيّ في ظلّ وضع البقاء.

فعلى سبيل المثال، عندما كان جدّي يعمل في شركة السّكك الحديديّة خلال الحرب العالميّة الثّانية، كتب على عربة القطار الأخيرة "أمراض خطيرة"، ولم يصعد أيّ ضابط نازي على عربة القطار تلك. كان ذلك هو المكان الّذي ساعد فيه جدّي اليهود على الهروب.

اليوم، ومن أجل الحفاظ على ذكرى المحرقة، نحتاج إلى هذا الإبداع مثل حاجتنا إلى الهواء النّقي. ففي عام 2023، لا يهتمّ المراهقون والشّباب بالتّاريخ، بل بالمستقبل. إنّهم بالتّأكيد لا يقرؤون الكتب كما كان الحال في الماضي. وفي الوقت نفسه، سوف يهلك جميع النّاجين المتبقّين من المحرقة في السّنوات القليلة المقبلة، ولن تبقى بعد ذلك أيّ شهادة إنسانيّة.

برلين 2023: وصلت إلى  شارع مونشِنِر 37 وألقيت نظرة على النّصب التّذكاري الّذي تمّ تشييده للكنيس الّذي كان قائماً هناك. وصلت إلى هناك بعد أن عثرت بالصّدفة على دعوة جدّي للتّوراة والّتي عثرنا عليها بعد 50 عاماً، مخبّأة في ألبوم. (إنّ نداء التّوراة هو مناسبة خاصّة كجزء من الاحتفال الّذي يقام للصّبية اليهود البالغين 13 عاماً. ويُقام في كنيس يهودي، وهي المرة الأولى التي يقرأ فيها صبي من التّوراة، الكتاب المقدّس اليهودي، أثناء الصلاة).

وعلى مسافة غير بعيدة من المكان الذي كنت أقف فيه، كانت هناك لافتة من العصر النّازي مكتوب عليها: "يجب على اليهود إزالة بقايا الكنيس وعدم إعادة بنائه أبداً".

لذا، إذا لم يتّضح الأمر بعد - دعني أطرحه بهذه الطّريقة. أيّها الأصدقاء، هناك خطر حقيقيّ يتمثّل في نسيان المحرقة. إنّني أدعوكم – يا ألمع العقول في العالم – إلى أيّ فكرة لديكم لجعل هذا العالم مكاناً أفضل، وأيّ فكرة لديكم من شأنها أن تساعد في الحفاظ على ذكرى المحرقة، أودّ أن أسمع منكم. لأنّه يجب الحفاظ على الماضي وتذكّره من أجل مستقبلٍ أفضل.

 

المؤلّف تامير هاس Tamir Haas

تامير هاس هو مستشار إعلاميّ وناشط لأكثر من 20 عاماً، وهو حائز على جائزة IPRA GWA. يعمل هاس كمحلّل في شؤون العلاقات العامّة ولديه وكالة علاقات عامّة تعمل في إسرائيل وفي جميع أنحاء العالم.

 

https://www.ipra.org/news/itle/itl-560-international-holocaust-day-public-relations-versus-propaganda/

 

ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد

 

تحذير واجب.

 
لا يحق نشر أي جزء من منشورات ميديا & PR، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله على أي نحو، سواء إلكترونياً أو ميكانيكياً أو خلاف ذلك دون الاشارة الى المصدر، تحت طائلة المساءلة القانونية
 

يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:

info@ipra-ar.org

 


تابعنا :