مخاطر الغسل الأخضر: الوضع الرّاهن في جميع أنحاء العالم



تزداد الضّغوط على الشّركات الّتي تمارس الغسل الأخضر في جميع أنحاء العالم مع اعتماد الحكومات لقوانين جديدة ضدّ الادّعاءات الخضراء الكاذبة. بقلم دانيال سيلبرهورن Daniel Silberhorn
 
"اشرب بمسؤوليّة" هو نداءٌ معروفٌ في صناعة المشروبات للتّذكير بتأثير الكحول. قد تكون أقلّ درايةٍ بشعار " الطّيران بمسؤوليّة". كان هذا الشّعار جزءاً من حملةٍ مصوّرةٍ لشركة KLM مع التّركيز على جهود الاستدامة الّتي تبذلها شركة الطّيران الهولنديّة. ولكن تمّ سحب هذا الشّعار في شهر  2024 بعد أن حكمت محكمة هولنديّة بأنّ ادّعاءاته تُعتبر بمثابة غسلٍ أخضر.
'KLM الخطوط الجّوّية الملكيّة الهولنديّة، أو ببساطة KLM (اختصار لاسمها الرّسمي Koninklijke Luchtvaart Maatschappij N.V.
وهي شركة الطّيران الّتي تحمل علم هولندا. يقع المقرّ الرّئيسيّ لشركة KLM في أمستلفين، ويقع مركزها الرّئيسي في مطار سخيبول القريب من مطار أمستردام. وهي شركة تابعة لمجموعة الخطوط الجّوّية الفرنسية - KLM وعضو في تحالف شركات الطّيران SkyTeam.'
حيث وجدت المحكمة أنّ التّصريحات كانت مُضلّلة، بحجّة أنّ بعض الادّعاءات كانت "غامضة للغاية"، ورسمت "صورة رديئة للغاية"، ممّا يوحي بأنّ الرّحلات الجّوّية مستدامة في حين أنّ التّدابير في الواقع "تقلّل فقط من الآثار البيئيّة بشكلٍ هامشي". ويعتقد المراقبون أنّ هذا القرار قد يكون بمثابة معيارٍ لشركات الطّيران بشأن ما يمكن أن تقوله عن جهودها للحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
 
لم تكن KLM الأولى ولن تكون الأخيرة. ففي نهاية نيسان/ أبريل 2024، بدأت الجّهات التّنظيمية في الاتّحاد الأوروبيّ في التّحقيق مع عشرين شركة طيران بشأن ممارساتٍ مُضلّلة محتملة تتعلّق بالغسل الأخضر. وبالفعل، زادت الدّعاوى القضائيّة المتعلّقة بتغيّر المناخ إلى أكثر من الضّعف خلال السّنوات الخمس الماضية، وفقاً لبرنامج الأمم المتّحدة للبيئة (UNEP). ومن المتوقّع أن يزداد عدد القضايا مع دخول التّقارير الإلزاميّة مثل توجيه الاتّحاد الأوروبيّ لإعداد تقارير استدامة الشّركات (CSRD) حيّز التّنفيذ.
لا أحد يرغب في أن تثبت إدانته بتهمة غسل البيئة على الرّغم من محاولة الشّركات التّواصل مع قيم المستهلكين. وقد يكون الضّرر الّذي يلحق بالسّمعة كبيراً، حيث أنّ مخاطر الغسل الأخضر تقوّض الثّقة من خلال إضعاف ثقة المستهلكين والمستثمرين. كما أنّ عدد قضايا التّقاضي المتعلّقة بالغسل الأخضر في تزايدٍ مستمر. وهناك تشريعاتٌ جديدةٌ مرتقبة في جميع أنحاء العالم.
هذه المجموعة المتزايدة من التّشريعات المناهضة للغسل الأخضر موجّهةٌ نحو الأسواق الماليّة، وكذلك نحو حماية المستهلك. ولا يكاد يوجد بلدٌ رئيسيٌّ لا تتمّ فيه مناقشة هذا الأمر.
 
من الولايات المتّحدة إلى أستراليا: قوانين جديدة لمكافحة الغسل الأخضر  
في الولايات المتّحدة الّتي تُعدّ أكبر اقتصادٍ في العالم، على سبيل المثال، اعتمدت لجنة الأوراق الماليّة والبورصات مؤخّراً قواعداً لتعزيز وتوحيد إجراءات الإفصاح المتعلّقة بالمناخ في السّادس من آذار 2024. تأتي هذه الخطوة بعد أن فرض قانون المناخ الثّالث في كاليفورنيا ضرورة الإفصاح عن تعويض آثار الانبعاثات الكربونيّة في محاولةٍ صريحةٍ لمكافحة الغسل الأخضر في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023.
أمّا في آسيا والمحيط الهادئ، تلحق الحكومات بالرّكب بسرعة. فكوريا الجّنوبيّة، على سبيل المثال، كانت أوّل دولةٍ في شرق آسيا تقوم بصياغة قانونٍ في كانون الثّاني/ يناير 2023. كما أصدرت الصّين لوائحاً تنظيميّةً تتضمّن شروط منع الغسل الأخضر في آذار من هذا العام، وفي الشّهر نفسه، شهدت أستراليا أوّل إجراءٍ ناجحٍ لتوقيع عقوبةٍ مدنيّةٍ على الغسل الأخضر.
وفي أمريكا اللّاتينية، تعمل بلدان أمريكا اللّاتينية على وضع لوائحٍ تنظيميّةٍ جديدةٍ أيضاً. فقد وضعت بيرو بالفعل عقوباتً من خلال معهدها الوطنيّ للدّفاع عن المنافسة وحماية الملكيّة الفكريّة، وتعمل تشيلي على إقرارها في الكونغرس. ولدى كولومبيا أيضاً مقترحٌ بهذا الشّأن في البرلمان.
غير أنّ المشهد التّنظيميّ حتّى الآن يبدو أكثر تشتّتاً في جميع أنحاء أفريقيا، حيث يأسف المراقبون لغياب لوائحٍ ومعاييرٍ واضحةٍ للتّحقّق من الادّعاءات. ففي جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، قد لا تكون التّشريعات الصادرة هناك صريحة، ولكن المعايير المتعلّقة بالموضوع هي جزءٌ من قانون حماية المستهلك في البلاد وهي موجودةٌ في المعايير الطّوعيّة.
وفي أوروبا، توجد بالفعل تشريعاتٌ على المستويات الوطنيّة في الدّول الأعضاء فيها، مثل القانون الألمانيّ لمكافحة المنافسة غير العادلة. وبالمثل، كانت فرنسا المجاورة، وهي واحدةٌ من الدّول القليلة في العالم الّتي جرّمت الغسل الأخضر، وزادت من العقوبات في قانون المناخ والقدرة على الصّمود لعام 2021.
 
الاتّحاد الأوروبي يقود الطّريق في القوانين الخضراء
بوجهٍ عام، كان الاتّحاد الأوروبي في طليعة الدّول الّتي تكافح الغسل الأخضر، ويعود ذلك إلى توجيه الممارسات التّجاريّة غير العادلة (UCPD) لعام 2007.
وكجزءٍ من الصّفقة الخضراء الأوروبيّة، أعلنت المفوّضيّة الأوروبيّة عن خططٍ للحدّ من مخاطر الادّعاءات الخضراء الكاذبة في عام 2019، ووعدت بحظر:
• الادّعاءات البيئيّة العامّة على المنتجات دون إثبات.
• الادّعاءات البيئيّة الّتي تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على تعويض الانبعاثات.
• ملصقات الاستدامة الّتي لا تتوافق مع معايير معيّنة.
يُعدّ توجيه الاتّحاد الأوروبيّ بشأن الادّعاءات الخضراء أحدث تغييرٍ في قواعد اللّعبة الأوروبيّة. فقد تمّ اعتمادها في الثّاني عشر من آذا 2024، حيث تحدّد القواعد الجّديدة المعلومات المطلوبة الّتي يجب تقديمها للسّلطات والجّمهور قبل نشر مطالبةٍ بيئيّةٍ صريحة. كما أنّها توفّر تفاصيل حول التّحقّق من الطّرف الثّالث والعقوبات. قد تصل الغرامات إلى 4% على الأقل من حجم الأعمال السّنوي. كما أنّ المطالبات القائمة فقط على خطط تعويض الانبعاثات الكربونيّة غير قانونيّة.
 
التّهديد حقيقي: فقد قال أكثر من نصف المشاركين في استطلاعٍ دوليٍّ للرّأي أنّهم يقدّمون مطالباتٍ خضراء. ففي الاتّحاد الأوروبيّ وحده، توجد أكثر من 230 علامةٍ بيئيّةٍ مختلفة. وفي الوقت نفسه، وجدت هيئة المنافسة والأسواق في المملكة المتّحدة (CMA) أنّ 40% من الادّعاءات البيئيّة للشّركات الّتي يتمّ تقديمها عبر الإنترنت من المحتمل أن تكون خادعةً أو كاذبة. ويمثّل ذلك مخاطراً جسيمةً على سمعة الشّركات وعلى أوضاعها الماليّة.
 
خطر الغسل الأخضر حقيقيٌّ ويهدّد العديد من الشّركات
يمثّل استخدام ادّعاء "الحياد المناخي" خطورةً خاصّة، حيث تقوم المنظّمات غير الحكوميّة بانتظامٍ بمقاضاة الشّركات بسبب إعلاناتها الّتي قد تستند إلى حدٍّ كبيرٍ إلى تعويض الانبعاثات الكربونيّة. وخلال العام الماضي، أوقفت العديد من العلامات التّجاريّة الكبرى في صمت ادّعاءاتها المتعلّقة بالحياد المناخي، بما في ذلك غوتشي وكيت كات ونسبرسو.
 
وما لا يثير الدّهشة هو بحث الشّركات الآن وبشكلٍ متزايدٍ عن أدواتٍ لمساعدتها على فهم المخاطر الّتي قد تتسبّب في إلحاق الضّرر بسمعتها أو إلحاق الأضرار القانونيّة عبر سلسلة القيمة الخاصّة بها. ويوفّر كاشف مخاطر الغسل الأخضر SLR نقطة انطلاقٍ مفيدةٍ لفهم المخاطر وتحديد المجالات الّتي ينبغي تحسينها.
 
المبدأ بسيطٌ للغاية: يحدث الغسل الأخضر في الفجوة بين الأفعال والأقوال. لذا، يعتبر التّحقّق من مدى تعرّضك لمخاطر الغسل الأخضر حول عوامل مثل صناعة عملك هو الخطوة الأولى لفهم مدى الحاجة الماسّة لذلك. ثم تحتاج بعد ذلك إلى النّظر في مدى توافق جهود الاستدامة الّتي تبذلها مع التّوقّعات - وكيف يمكنك التّواصل بشأنها، والتّفاعل مع أصحاب المصلحة، ودمج الحوكمة البيئيّة والاجتماعيّة والمؤسّسية في ثقافتك.
إنّ أفضل طريقةٍ لتجنّب اللّوم على الغسل الأخضر هي ترتيب بيتك البيئيّ والاجتماعيّ والحوكمة (إثبات أنّك في الطّريق الصّحيح) والتّواصل بصدق، بناءً على الحقائق الصّحيحة والأرقام المقبولة.
 
وهذا يعني: أنّك بحاجةٍ إلى تطوير استراتيجيّات الاستدامة استناداً إلى مشاركة أصحاب المصلحة وتقديم الأدلّة، والنّظر في أكثر الموضوعات جوهريّة، ووضع أهدافٍ طموحةٍ وواقعية تتوافق مع الواقع، ووضع وتنفيذ خارطة طريقٍ واضحةٍ قائمةٍ على مؤشّرات الأداء الرّئيسيّة للاستدامة وخفض الانبعاثات الكربونيّة. والعمل على طول الطّريق على إشراك جميع أصحاب المصلحة والتّواصل معهم بشكلٍ مستمر بطريقةٍ صادقةٍ وشفّافةٍ بناءً على أدلّةٍ موثوقة.
 
وفي عام 2024 وما بعده، سيكون مبدأ "التّواصل بمسؤوليّة" مبدأً يجب على ممارسي العلاقات العامّة العالميّة اتّباعه إذا كانوا لا يريدون أن تتعرّض شركاتهم لمشاكل الغسل الأخضر الّتي قد تكلّفهم ما هو أكثر من مجرّد تشويه السّمعة.
 
المؤلّف دانيال سيلبرهورن Daniel Silberhorn
دانيال سيلبرهورن هو كبير المستشارين في مجال الحوكمة البيئيّة والاجتماعيّة وحوكمة الشّركات والتّحوّل المستدام في شركة SLR للاستشارات ورئيس فرع تغيّر المناخ في الجّمعيّة الدّوليّة للعلاقات العامّة فيما يخصّ تقييم المخاطر المناخيّة.
 
https://www.ipra.org/news/itle/itl-581-greenwashing-risk-the-state-of-play-around-the-world/
 
 
ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد 
 
تحذير واجب.
 
لا يحق نشر أي جزء من منشورات ميديا & PR، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله على أي نحو، سواء إلكترونياً أو ميكانيكياً أو خلاف ذلك دون الاشارة الى المصدر، تحت طائلة المساءلة القانونية
 

يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:

info@ipra-ar.org

 

تابعنا :