نحن في أزمة تواصل: لماذا يجب على قطاع العلاقات العامّة أن يهتم



يرغب النّاس في المزيد من التّواصل الاجتماعي ولكن ثمّة عوائق تحول دون ذلك. لكن يمكن لمحترفي العلاقات العامّة المساعدة في إعادة التّوازن. بقلم نيك كاولينغ Nick Cowling

 

في العام الماضي فقط وعلى سبيل المثال لا الحصر، مرّ عالمنا بعددٍ لا يحصى من الأحداث الكبرى - اقتصاد عالميّ متوتّر، وقضايا جيوسياسية متعدّدة (ناهيك عن الحرب)، بالإضافة إلى الكوارث المناخيّة.  ولكن ربّما كانت القضيّة الأشدّ إلحاحاً هي وباء الوحدة.

في عام 2023، نشر الجّرّاح العام الأمريكي تقريره عن وباء الوحدة، معلناً أنّ مخاطره الصّحيّة تضاهي مخاطر التّدخين المميتة. ففي كندا، تُعزى أكثر من 45,000 حالة وفاة سنويّاً إلى الشّعور بالوحدة، حيث وصف وزير الشّعور بالوحدة في المملكة المتّحدة - الّذي عُيّن في عام 2018 - الوحدة بأنّها أحد أكبر تحدّيات الصّحّة العامّة في عصرنا. وأخيراً، وقبل بضعة أشهرٍ فقط، أعلنت منظّمة الصّحّة العالميّة أنّ الوحدة أزمةٌ صحّيّة عالميّة، إذ تمّ تشكيل لجنةٍ عالميّة للتّواصل الاجتماعي للتّصدي لها.

كل الدّلائل تصبّ في نفس الاتّجاه: فنحن في عالم ما بعد الجّائحة، نواجه أزمة تواصلٍ عالميّة.  ومهمّتنا في سيتيزن تتمثّل في إضفاء الأهميّة لكلّ محادثة. وما هي المحادثة إن لم تكن قناةً للتّواصل؟ فالمحادثة الهادفة هي في جوهرها حاجةٌ إنسانيّة أساسيّة - وهي أيضاً نتيجة التّسويق الرّائع.

لذلك قررنا أن نبحث في أزمة التّواصل العالميّة هذه، لنفهم بشكلٍ أفضل أين يقف النّاس حاليّاً وما هي الفرصة المتاحة لقطاع العلاقات العامّة للمساعدة. فقد قمنا باستطلاع آراء أكثر من 3000 مستهلك في جميع أنحاء الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة وكندا لمعرفة كيفيّة تواصلهم مع بعضهم البعض ومع المجتمع ومع أنفسهم. ويكشف تقرير اتّصالات المواطنين السّنوي الأوّل، الّذي صدر في أواخر العام الماضي، عن "العجز في التّواصل" الّذي اكتشفناه في بحثنا؛ وبشكلٍ عام تقريباً، يرغب النّاس في المزيد من التّواصل الاجتماعي ولكنّهم لا يزالون يعانون من هذه الفجوة. إذ إنّ هناك ثلاثة عوامل رئيسيّة تقود هذه الفجوة:

التّفاعل الاجتماعي الانتقائي: أصبح 74% من الأشخاص بعد الجّائحة، أكثر انتقائيّة في دوائرهم الاجتماعيّة. كما أدّى الاستقطاب السّياسي إلى فقدان 15% من الأشخاص لأصدقائهم، بينما اكتسب 16% منهم أصدقاء يشاطرونهم المعتقدات ذاتها، الأمر الّذي يوضّح التّحوّل في الديناميكيّات الاجتماعيّة.

التّوازن بين التّواصل عبر الإنترنت وخارجه: على الرّغم من أنّ 78% يفضّلون التّفاعلات الشّخصيّة لتحسين التّواصل والصّداقة الحميمة، إلا أنّ ربعهم يجدون قيمةً في العلاقات عبر الإنترنت بسبب ملاءمتها وخصوصيّتها. ومع ذلك، لا تزال الثّقة في العلاقات عبر الإنترنت منخفضة، حيث يثق 12% فقط في معارفهم عبر الإنترنت.

تحدّيات الصّحّة النّفسيّة: تبرز الصّحّة النّفسيّة كعائق كبير أمام التّواصل. حيث يشعر 57% من المشاركين في الاستطلاع بالوحدة رغم وجودهم وسط حشد من النّاس، ويعاني 20% منهم من قلقٍ متزايد في البيئات الاجتماعيّة. والأهمّ من ذلك أنّ الصّحّة النّفسيّة هي المشكلة الاجتماعيّة الأولى الّتي يتوقّع النّاس من العلامات التّجاريّة معالجتها.

وفي عالم اليوم المنقسم، يعتبر دورنا كمتخصّصين في العلاقات العامّة والتّواصل أمراً حيويّاً في سدّ الفجوة الّتي خلّفها عدم التّواصل. وبصفتنا متخصّصين في مجال التّواصل، فإنّنا نتمتّع بمكانةٍ فريدة للتّأثير على الثّقافة - لبدء المحادثات والتّقريب بين المجتمعات. وبصفتنا وكلاء وشركاء موثوقين للمؤسّسات وصانعي الرّأي العام، لدينا فرصةٌ للاستفادة من المنصّات العالميّة والحملات الإبداعيّة لتعزيز التّواصل الاجتماعيّ الهادف. ورغم أنّ حملاتنا تمثّل تصويراً لكيفيّة تحرّك مجتمعنا، إلا أنّها أيضاً بمثابة إرشادات لكيفيّة هذا التّحرك.

وللقيام بذلك، تحتاج العلامات التّجاريّة إلى أن تكون منفتحةً على تحويل التّركيز من عروض القيمة وتمييز السّلع بعضها عن بعض. وكما يقول د. ماركوس كولينز Dr. Marcus Collins، فإنّ العلامات التّجاريّة الّتي تركّز على المجتمع وتكون قادرةً على تسهيل الاتّصالات العميقة، هي من ستحتل الصّدارة. وهذا ليس بالأمر السّهل، فهو يتطلّب شجاعةً لخلق هذه المساحة. ويحدّد تقريرنا أربع طرقٍ يمكن للعلامات التّجاريّة أن تبدأ بها:

السّماح للهدف بقيادة التّغيير: تحتاج المنظّمات إلى الاستثمار في معالجة قضيّة التّواصل الاجتماعي بنفس الطّريقة الّتي تستثمر بها في المبادرات الأخرى الهادفة. إذ يجب أن تكون القضيّة في طليعة حملاتهم بسبب أهميّتها الكبيرة لأسلوب حياتنا بالكامل. ومع وضع هذا الهدف في الاعتبار، لا تساعد العلامات التّجاريّة غيرها على التّواصل مع الآخرين فحسب، بل تعمل أيضاً على تعزيز التّوافق والتّقارب مع جماهيرها الرّئيسيّة - وهو أمرٌ لن يعود عليها بالفائدة إلّا من خلال ذلك.

إيجاد الرّوابط الضّعيفة: إنّ الحديث القصير في الحقيقة ليس بلا جدوى كما كنّا نظن. إنّ له في الواقع تأثيراً إيجابيّاً كبيراً على رفاهيّتنا؛ فهو يزيد من شعورنا بالانتماء للمجتمع. ولكن عندما نختار إذن " إغلاق" المحادثة كخيارٍ مفضّلٍ لدينا في مشاويرنا مع أوبّر، فإنّنا نختبئ أكثر في دوائرنا الأساسيّة ونضعف الرّوابط الضعيفة أصلاً. وبصفتنا متخصّصين في العلاقات العامّة، يجب أن نكون ماهرين جدّاً في إيجاد تلك اللّحظات والمساعدة في تقويتها.

مساعدة النّاس على الاختلاف بشكلٍ أفضل: من الضّروري تغيير التّروس في عالم يزداد استقطاباً يوماً بعد يوم. وهنا يمكن للعلامات التّجاريّة أن تلعب الدّور الكبير، كما فعلت شركة هاينكن Heineken مؤخّراً، في التّقريب بين النّاس بقبول الآخر والتّعامل معه بعقليّةٍ منفتحة. وهذا لا يعني أنّ على العلامات التّجاريّة تغيير الآراء، بل يجب عليها تشجيع النّاس على تجاوز الاختلافات والتّقارب مع بعضهم البعض.

قم بتغيير المحادثة "الّتي تتمّ عبر الإنترنت إلى محادثةٍ دون اتّصالٍ بالإنترنت": حيث يُظهر تقريرنا بوضوح أنّه لا يوجد "إما/أو" عندما يتعلّق الأمر بالاتّصالات عبر الإنترنت وخارجه. فالحاجة الآن هي إلى نهجٍ أكثر دقّة يمكن أن يساعد المستهلكين على الاستفادة من كليهما إلى أقصى حدٍّ ممكن. وهذا يشمل توسيع نطاق نظرتنا عند تلبية احتياجات الجّماهير الرّئيسيّة، مع الأخذ في الاعتبار أنّ لكلّ شخصٍ احتياجات ورغبات مختلفة.

لقد بدأنا بالفعل في رؤية العلامات التّجاريّة تعالج هذه المشكلة. ففي أمستردام، على سبيل المثال، طرحت العلامة التّجاريّة "أوما سوبس" الّتي تقدّم الحساء في متاجر البقّالة في أمستردام سلالاً خضراء مخصّصة في متاجر البقّالة تشير إلى أنّ المتسوّق مهتم بإجراء محادثة مع المتسوّقين الآخرين.

كما تعاون تطبيق المواعدة عبر الإنترنت هينج Hinge، مع مؤسّسة التّواصل الاجتماعي لإصدار دليل المواعدة الخالية من تشتيت الانتباه، والّذي يهدف إلى مساعدة النّاس على التّواصل بطرق أكثر جدوى في المواعيد الغراميّة. وفي الآونة الأخيرة، أطلقت العلامة التّجاريّة للمشروبات الكحوليّة "وايلدا" حملة "يناير الرّطب" - وهي حملة مضادة للامتناع عن تناول الكحوليّات مع "يناير الجاف" بحجة أنه يؤدي إلى تقليل التّواصل الاجتماعي وزيادة الشّعور بالوحدة. على العكس من ذلك، تشجّع حملة "يناير الرّطب" النّاس على الخروج والتّواصل الاجتماعي دون الإفراط في استهلاك الكحول.

 

إنّ الأزمة العالميّة اليوم هي أزمة التّواصل الاجتماعي الملحّة. فإذا كان المزيد من التّواصل الاجتماعي هو ما يرغب فيه المستهلكون ويحجمون عنه، ما هي اللّحظات والفرص الّتي تستحق المحادثة الّتي يمكننا المساعدة في خلقها؟ بعيدًا عن الانطباعات والعناوين الرّئيسيّة، كما يمكننا كمتخصّصين في العلاقات العامّة أن نحدث تأثيراً هائلاً على أحد أكبر التّحدّيات الصّحيّة الّتي تواجه المجتمع اليوم إذا ما وضعنا ذلك نصب أعيننا.

 

1

المؤلّف نيك كاولينغ Nick Cowling

الرّئيس التّنفيذي لشركة علاقات المواطنين Citizen Relations

 

https://www.ipra.org/news/itle/itl-567-were-in-a-connection-crisis-why-the-pr-industry-should-care/

 

ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد

 

تحذير واجب.

 
لا يحق نشر أي جزء من منشورات ميديا & PR، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله على أي نحو، سواء إلكترونياً أو ميكانيكياً أو خلاف ذلك دون الاشارة الى المصدر، تحت طائلة المساءلة القانونية
 

يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:

info@ipra-ar.org

 

 


تابعنا :
آخر المقالات:
آخر الأخبار :