إرث لونا: تكوين العلامة التّجاريّة الفلبّينيّة بالفن والوحدة



استفادت الفلبّين بشكلٍ استراتيجيٍّ من تراثها الثّقافي وتعبيرها الفنّي لتعزيز صورتها العالميّة.

بقلم تيودورو "جوني" س. ديل موندو الابن.

 

في متحف أيالا، حيث تمتزج أصداء التّاريخ بسلاسةٍ مع الحاضر، يتجاوز الكشف عن لوحة "Hymen, oh Hyménée!" لخوان لونا حدود العرض الفنّي. فهذا العمل المختبئ منذ قرنٍ من الزّمان، لا يبرز تألّق لونا فحسب، بل يمثّل أيضاً فصلاً مهمّاً في سرد التّراث الثّقافي الفلبّيني، ويوضّح تطوّر الفنّ الفلبّيني إلى أن أصبح معروفاً عالمياً.

جسّدت إقامة لونا في باريس خلال أواخر القرن التّاسع عشر مدى انتشار الموهبة الفلبّينيّة الّتي لا حدود لها. فبعد النّجاح الباهر الّذي حقّقته لوحة "سبولياريوم" في مدريد، أصبحت لوحة "Hymen, oh Hyménée!" الّتي رسمها خلال رحلاته في شهر العسل في روما والبندقيّة، قطعةً فنّيةً يعتزّ بها لونا لأنّها تدلّ على أوج عطائه الفنّي. كانت باريس في ذلك الوقت ملتقى عالم الفن، حيث رسّخت الجوائز الّتي حصل عليها لونا، ولا سيّما تكريمه في المعرض العالميّ لعام 1899، مكانته بين الطّليعة الفنّية العالميّة، متحدّياً بذلك التّحيّزات العنصريّة السّائدة في تلك الحقبة.

إنّ حكاية "Hymen, oh Hyménée!" من مجموعة لونا الخاصّة وصولاً إلى مكانتها كرمزٍ للفخر الوطني، تنسج حكايةً غنيّةً بالغموض والتّكهنات. ويختزل مسار هذه اللوحة الّتي أطلق عليها اسم "الكأس المقدّسة للفن الفلبيني" بدءاً من اختفائها بعد وفاة لونا  حتّى إعادة اكتشافها، البحث عن جزءٍ مفقودٍ من هويّتنا الوطنيّة. إنّ المطاردة الدّقيقة الّتي قام بها خايمي بونس دي ليون في جميع أنحاء أوروبا، والّتي بلغت ذروتها في إعادة العمل الفنّي، تؤكّد على لحظةٍ فارقةٍ في استعادة تراثنا الثّقافي.

 

النّهضة الثّقافية

إنّ هذا المسعى التّعاوني مع متحف أيالا لعرض لوحة "Hymen, oh Hyménée!" على سبيل الإعارة طويلة الأمد يرمز إلى أكثر من مجرّد إنجازٍ فنّي؛ فهو يدلّ على نهضةٍ ثقافيّة. كما لا يكرّم هذا المعرض، الّذي يتزامن مع الذّكرى الـمئة وخمس وعشرين لاستقلال الفلبّين، إرث لونا الفنّي فحسب، بل يعكس أيضاً رحلتنا الجّماعيّة كأمّةٍ تتميّز بالمرونة والفخر والحيويّة الدّائمة.

تجسّد عودة مسرحيّة "Hymen, oh Hyménée!" إلى أرض الفلبّين الاستخدام الاستراتيجيّ للأصول الثّقافية من أجل التّرويج للعلامة التّجاريّة الوطنيّة، ممّا يسلّط الضّوء على قدرة الفنّ على تجاوز حدود المتعة الجّماليّة المجرّدة لتجسيد الهويّة الوطنيّة وتعزيز الرّوابط العالميّة. وقد عمّقت فترة عملي كأحد أمناء المركز الثّقافي الفلبّيني قناعتي بالدّور التّحويلي للمؤسّسات الثّقافيّة في سرد ملحمتنا الوطنيّة من خلال الفنّ والتّعاون والتّبادل الثّقافي، وبالتّالي عرض النّسيج الغنيّ للثّقافة الفلبّينية على المجتمع الدّولي.

يشدّد مفهوم القوّة النّاعمة، كما هو محدّدٌ في مجال العلاقات الدّوليّة، على قدرة بلدٍ ما على استمالة النّاس بدلاً من الإكراه، وتشكيل التّصوّرات والتّفضيلات العالميّة من خلال الجّاذبيّة الثّقافية والأيديولوجيّة. وقد عزّزت الفلبّين الاستفادة الاستراتيجيّة من تراثها الثّقافي وتعبيرها الفنّي كأدواتٍ للقوّة النّاعمة بشكلٍ كبير من صورتها العالميّة، ممّا جعل الفلبّين دولةً فاعلةً ومقنعةً على السّاحة العالميّة. ويؤكّد هذا النّهج على التّفاعل الدّقيق بين الدّبلوماسيّة الثّقافيّة والعلامة التّجاريّة الوطنيّة، حيث لا تُستخدم الفنون كوسيلةٍ لعرض المواهب الوطنيّة فحسب، بل كقنواتٍ محوريّةٍ للمشاركة والحوار على الصّعيد الدّولي.

تُظهر الإنجازات الأخيرة في قطاع السّياحة بوضوحٍ صعود الفلبّين كوجهةٍ عالميّةٍ رائدة، ممّا يعزّز علامتنا التّجاريّة الوطنيّة. ويمثّل الإنجاز التّاريخي الّذي تحقّق في عام 2023، والّذي شهد ارتفاع عائدات السّياحة الدّوليّة إلى 9.1 مليار دولار، مساهمةً كبيرةً في اقتصاد البلاد ويؤكّد التّأثير القويّ لجهودنا الاستراتيجيّة في مجال السّياحة والعلاقات العامّة. وهذا لا يضاعف من بصمتنا الثّقافيّة والاقتصاديّة فحسب، بل يتنبّأ أيضاً بمستقبلٍ واعدٍ للفلبّين كحجر زاويةٍ للحراك الاقتصاديّ والثّقافيّ، مدعوماً بالتّآزر بين مبادرات القطاعين العامّ والخاص.

كذلك تتجاوز مسؤوليّتنا في تعزيز علامتنا التّجاريّة الوطنيّة المؤسّسات الثّقافية وخبراء العلاقات العامّة لتشمل كلّ فلبّيني. إذ يؤدّي كلّ فردٍ، بصفته حاملًا لإرثنا الثّقافي، دوراً حاسماً في تسليط الضّوء على السّرد الفلبّيني على السّاحة العالميّة. من خلال الجّهود الجّماعيّة في مشاركة قصصنا وتراثنا - سواءً كان ذلك من خلال الفنون التّقليديّة أو المنصّات الرّقميّة - فنحن لا نعرض جمال الفلبّين المتعدّد الأوجه فحسب، بل نمدّ جسور التّواصل بين الثّقافات ونعزّز التّفاهم والتّواصل العالمي. وهذا المسعى الموحّد أساسيٌّ في رحلتنا المتواصلة للارتقاء بالفلبّين على السّاحة الدّوليّة، مسلّطين الضّوء على أهمّية التّعاون والتّضامن.

وعلاوةً على ذلك، لا غنى عن دور الحكومة في مناصرة الفنون والتّراث الثّقافي. فالاستثمارات الاستراتيجيّة في البنية التّحتيّة الثّقافيّة، والتّعليم، والدّبلوماسية الثّقافية الدّوليّة هي الأساس في تعزيز حضورنا العالمي. وبينما نمضي قدماً نحو المستقبل، سيكون التفاعل المتناغم بين المبادرات الحكوميّة ومشاركة القطاع الخاص والمساهمات الفردية عاملاً حيويّاً في تسخير كامل أصولنا الثّقافيّة، وصياغة خطابٍ يبعث على الفخر والوحدة على الصّعيدين المحلّي والعالمي.

فمن روائع لونا التّاريخية إلى أشكال التّعبير الرّقمية المعاصرة، تُعدّ رحلة الفلبّين شهادةً على روح الإبداع والتّراث والابتكار الدّائمة لدينا. هذه الرّواية، الّتي تثريها إنجازاتنا الجّماعيّة والتّحدّيات الّتي تغلّبنا عليها، تضع الأمّة كمنارةٍ للتّألق الفنّي والمشاركة العالميّة. وبينما نواصل المضيّ قدماً، نحتفي بالإرث الّذي يوحدنا، ونضمن استمرار تألّق الفلبّين على السّاحة العالميّة للأجيال القادمة.

 

المؤلّف تيودورو "جوني" س. ديل موندو الابن Teodoro “Junie” S. Del Mundo, Jr

تيودورو "جوني" س. ديل موندو الابن، رئيس مجلس الإدارة والرّئيس التّنفيذي لمجموعة علاقات أصحاب المصلحة في شركة EON، مانيلا

 

https://www.ipra.org/news/itle/itl-575-lunas-legacy-shaping-the-philippine-brand-with-art-and-unity/

 

ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد

 

تحذير واجب.

 
لا يحق نشر أي جزء من منشورات ميديا & PR، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله على أي نحو، سواء إلكترونياً أو ميكانيكياً أو خلاف ذلك دون الاشارة الى المصدر، تحت طائلة المساءلة القانونية
 

يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:

info@ipra-ar.org

 


تابعنا :