تمكين المنظّمات: نموذج العلاقات العامّة الاستراتيجيّة لتعزيز القيمة السّوقيّة



ساعد نموذج العلاقات العامّة الاستراتيجي الّذي يضع القيمة السّوقيّة في صميمه شركة التّعدين والمعادن MIDHCO في التّغلّب على الأزمة مع تعزيز سمعتها. بقلم د. سعيد فيلسوفيان Saeed Philsouphian

 

يشرح هذا المقال نموذج العلاقات العامّة الاستراتيجيّ الشّامل المصمّم لتعزيز القيمة السّوقيّة للمؤسّسات. حيث يؤكّد النّموذج على أهمّية التّواصل الفعّال والمشاركة الإعلاميّة وتنظيم الفعّاليات في بناء سمعة العلامة التّجاريّة وتعزيز النّمو. وهو قابلٌ للتكيّف عبر مختلف القطاعات (كالأعمال بين الشركات B2B، وعمليّة بيع المنتجات والخدمات مباشرةً بين الشّركة والمستهلكين الّذين هم المستخدمون النّهائيّون لمنتجاتها أو خدماتها B2C، والتّجارة بين قطاع الأعمال كمورّدٍ والهيئة الحكوميّة كعميلٍ يلعب دوراً رئيسيّاً في المشتريات العامّة B2G) ويسلّط الضّوء على الحساسيّة الثّقافيّة للتّطبيق العالمي. كما يبحث بالإضافة إلى ذلك في المقاييس الرّئيسيّة لقياس النّجاح، ويدعو المؤسّسات إلى اعتماد هذا النّموذج.

صمّمتُ النّموذج وطوّرته بنفسي وهو مستمدٌّ من نموذج العلاقات العامّة الماليّة.

 

الدّور الحيويّ للتّواصل الفعّال

يُعدّ التّواصل الفعّال بمثابة شريان الحياة للمؤسّسات، فهو يسهّل بناء الثّقة، ويعزّز العلاقات، ويقود نموّ الأعمال في نهاية المطاف. أمّا في بيئة الأعمال المعقّدة اليوم، يتخطّى التّواصل الفعّال مجرّد إجراء المعاملات ليشمل سرداً أوسع نطاقاً للمؤسّسة.

وهنا يصبح إنشاء نموذجٍ استراتيجيٍّ للعلاقات العامّة أمراً ضروريّاً، حيث يقدّم نهجاً شاملاً لمواءمة جهود التّواصل مع الأعمال التّجاريّة والأهداف التّنظيميّة الشّاملة. وفي هذا النّموذج، يتمّ تحديد إنشاء تواصلٍ ثنائيّ الاتّجاه مع أصحاب المصلحة، والشّفافيّة في نشر المعلومات، والاستفادة من ردود الفعل كعوامل رئيسيّةٍ للنّجاح.

 

خلق رواياتٍ مقنعة: استخدام الاتّصالات ووسائل الإعلام والفعّاليات

يكمن في صميم نموذج العلاقات العامّة الاستراتيجيّة مفهومٌ أساسي: وهو القيمة السّوقيّة (رأسمال السّوق). تعمل هذه القيمة كمقياسٍ نهائيٍّ للنّجاح بالنّسبة للمؤسّسات، وهي لا تشمل الأداء الماليّ فحسب، بل تشمل أيضاً سمعة العلامة التّجاريّة وموقعها في السّوق.

 

ويمكن للمؤسّسات، من خلال وضع القيمة السّوقيّة في مركز النّموذج، أن توائم استراتيجيّات الاتّصال الخاصّة بها بشكلٍ استراتيجيٍّ مع الهدف الشّامل المتمثّل في زيادة القيمة السّوقيّة. أمّا المستويات الخارجيّة للنّموذج - الاتّصالات ووسائل الإعلام والفعّاليات - فتعمل كركائز استراتيجيّة، حيث يلعب كلٌّ منها دوراً حاسماً في المساهمة في تحقيق الهدف العام المتمثّل في نموّ القيمة السّوقيّة.

وتشمل هذه الرّكائز الاتّصالات الدّاخلية والخارجية، ووسائل الإعلام التّقليديّة والرّقميّة، والفعّاليات الشخصية والافتراضية. فكل ركيزة من هذه الركائز مدعومة بمصدر أساسي يشار إليه هنا بأطر عمل الاتّصالات الاستراتيجيّة والإعلام والفعّاليات. تتوافق هذه الأطر مع الوثيقة الاستراتيجيّة للمؤسّسة و الأهداف الاستراتيجيّة بناءً على أهداف المؤسّسة ورؤيتها ورسالتها.

 

التّواصل

يشكل التّواصل الفعّال أساس نجاح العلاقات العامّة. فمن خلال إنشاء روايات مقنعة تلقى صدى لدى أصحاب المصلحة، يمكن للمؤسّسات إضفاء الطابع الإنساني على علاماتها التّجاريّة، وتعزيز التّواصل الموثوق والفعّال، والتّميّز في السّوق. وتضمن استراتيجيّات الاتّصال في هذا النّموذج نقل الرّسائل بوضوحٍ وإيجازٍ وبأقصى قدرٍ من التّأثير، ممّا يعزّز المشاركة ويقوّي الولاء للعلامة التّجاريّة.

كما تكتسب الاتّصالات الدّاخلية أهمّيةً كبيرة؛ بدءاً من اجتماعات الفريق المنتظمة وحتّى استخدام المنصّات الرّقميّة لمشاركة المعلومات وتشجيع المزيد من التّعاون. فعلى سبيل المثال، يمكن للعلامة التّجاريّة لصاحب العمل تعزيز الاتّصالات الدّاخلية من خلال اجتماعات الفريق المنتظمة واستخدام المنصّات الرّقميّة لمشاركة المعلومات وتشجيع المزيد من التّعاون.

 

الإعلام

في عصرنا الرّقميّ اليوم، تُعدّ المشاركة الإعلاميّة أمراً بالغ الأهمّية لتضخيم الرّسائل المؤسّسية والوصول إلى جمهورٍ أوسع. ويمكن للمؤسّسات، من خلال الشّراكات الاستراتيجيّة مع وسائل الإعلام التّقليديّة والرّقميّة، الاستفادة من القنوات المتنوّعة لعرض خبراتها وتسليط الضّوء على إنجازاتها وزيادة ظهور علامتها التّجاريّة.

فالتّغطية الإعلاميّة الإيجابيّة لا تعزّز سمعة المؤسّسة ومصداقيتها فحسب، بل تعزّز أيضاً مكانتها في السّوق وقيمتها السّوقيّة الإجماليّة. ويُعدّ استخدام استراتيجيّات المحتوى المتنوّعة، بدءاً من إنتاج محتوىً تعليميٍّ وتثقيفي إلى الاستفادة من قوّة وسائل التّواصل الاجتماعي، من الأساليب الفعّالة في هذا المجال.

 

الفعّاليات

تعتبر التّفاعلات المباشرة ذات قيمةٍ كبيرةٍ في بناء العلاقات وتنمية الأعمال المؤسّسيّة. لذلك تركّز استراتيجيّة الفعّاليات الّتي نتّبعها على خلق تجاربٍ ثريّةٍ تُشرك أصحاب المصلحة، وتُسهِّل التّواصل، وتعزّز التّعاون. ولا تدّخر المؤسّسات جهداً في عرض الرّيادة والابتكار والمشاركة في السّوق، سواءً كانت تستضيف مؤتمرات الصّناعة أو تشارك في المعارض التّجاريّة أو تنظّم برامج توعيةٍ مجتمعيّة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتيح الاستفادة من التّقنيّات الحديثة مثل النّدوات عبر الإنترنت والفعّاليّات الافتراضيّة تفاعلاتً أوسع نطاقاً.

 

مواءمة الحساسيّة الثّقافيّة: تكييف النّموذج مع الأسواق العالميّة

مع توسّع المؤسّسات المختلفة (كالأعمال بين الشركات B2B، وعملية بيع المنتجات والخدمات مباشرة بين الشّركة والمستهلكين الّذين هم المستخدمون النّهائيون لمنتجاتها أو خدماتها B2C، والتّجارة بين قطاع الأعمال كمورّد والهيئة الحكوميّة كعميلٍ يلعب دوراً رئيسيّاً في المشتريات العامّة B2G) في أسواق جديدة، تزداد أهمّية الحساسيّة الثّقافيّة. فقد صُمّم نموذج العلاقات العامّة الخاصّ بنا ليكون قابلاً للتّكيّف، ممّا يسمح للمؤسّسات بتكييف الاستراتيجيّات مع الاختلافات الثّقافيّة للأسواق المتنوّعة.

ومن خلال دمج العادات والقيم وتفضيلات التّواصل المحلية، تضمن المؤسّسات أن يكون لرسائلها صدى أصيل لدى الجماهير في جميع أنحاء العالم. من توطين اللغة إلى الانغماس في الثقافات، حيث تتبنى المؤسّسات التنوع كمصدر للقوّة والتمايز، مما يعزز اختراق السّوق ويعزز النّمو المستدام. كما يمكن أن يؤدي إنشاء فرق من الخبراء المحليين والتّعاون مع الاستشاريين المحليين إلى تحسين كفاءة هذه العملية.

 

قياس النّجاح: مقاييس نمو القيمة السّوقيّة ( رأس المال السّوقي)

في نهاية المطاف، يُقاس نجاح نموذج العلاقات العامّة لدينا من خلال تأثيره على القيمة السّوقيّة. وتعمل مؤشرات الأداء الرئيسيّة، مثل الوعي بالعلامة التّجاريّة، وقيمة العلامة التّجاريّة، وملكية العلامة التّجاريّة، ومشاركة أصحاب المصلحة، والأداء المالي، كمقاييس لتقييم الفعّالية. ومن خلال تحليل البيانات وتتبع الاتّجاهات والاستماع إلى الملاحظات، تكتسب المؤسّسات رؤى قيّمة لتحسين الاستراتيجيّات باستمرار، ودفع عجلة النّمو المستدام وتعظيم القيمة السّوقيّة. كما أن استخدام الأدوات التحليلية المتقدمة وبرامج إدارة البيانات فعال للغاية في هذا الخصوص.

 

تطبيق النّموذج على حالة من حالات الأزمات في العالم الحقيقي

قبل عامين، اندلع حريق مفاجئ في إحدى الفروع التابعة  لشركة الشرق الأوسط للصناعات الهيدروكربونية ميدكو MIDHCO ، وهي مصنعٌ للصّلب. وسرعان ما انتشر خبر الحادث وقامت بتغطيته أكثر من مئتي وسيلةٍ إعلاميّة دوليّةٍ ومحلّية. وشكّلت هذه التّغطية الواسعة النّطاق خطراً كبيراً في خفض القيمة السّوقيّة لشركة ميدكو، حيث توقّع العديد من المحلّلين في السّوق انخفاض قيمة أسهم الشّركة.

وبالاستفادة من نموذج العلاقات العامّة الاستراتيجيّ الّذي تتّبعه شركة ميدكو للعلاقات العامّة، أجرت الشّركة مناورةً إعلاميّةً سريعةً لمعالجة حادثة الحريق. وخلال أقلّ من اثنين وسبعين ساعة، أدار فريق العلاقات العامّة الأزمة بفعّاليّة باستخدام تقنيّاتٍ إعلاميّةٍ استراتيجيّةٍ تستند إلى نموذج ميدكو للعلاقات العامّة.

 

لقد أدارت الاستجابة الشّاملة والسّريعة لفريق العلاقات العامّة في ميدكو الأزمة بفعّاليّة. ونتيجةً لذلك:

• لم تشهد قيمة أسهم الشّركة الانخفاض المتوقّع. بل على العكس، ارتفعت قيمتها.

• عزّزت الإدارة الفعّالة لهذا الوضع ثقة المساهمين في قدرة الشّركة على التّعامل مع الأزمات.

• أظهر نموذج العلاقات العامّة قوّته ومرونته، ممّا يسلّط الضّوء على قدرته على حماية بل وتعزيز القيمة السّوقيّة للشّركة خلال المواقف الحرجة.

تؤكّد هذه الحادثة على متانة نموذج العلاقات العامّة الاستراتيجيّ الّذي تتّبعه ميدكو في إدارة الأزمات. فمن خلال ضمان التّواصل الشّفاف والمشاركة الفعّالة لوسائل الإعلام والإدارة الفعّالة للأزمات، نجحت الشّركة في التّخفيف من الآثار السّلبيّة المحتملة على قيمتها السّوقيّة وحافظت على مكانتها السّوقيّة القويّة.

 

الخاتمة

في الختام، يقدّم نموذجنا للعلاقات العامّة إطاراً استراتيجيّاً شاملاً لتمكين المؤسّسات المختلفة وزيادة قيمتها السّوقيّة بشكلٍ كبير. فمن خلال وضع القيمة السّوقيّة في جوهرها والاستفادة من الاتّصالات والإعلام والفعّاليّات كركائزٍ استراتيجيّة، تخلق المؤسّسات فرصاً جديدةً وتعزّز علاقاتها وتضع نفسها في موقعٍ يؤهّلها لتحقيق النّجاح على المدى الطّويل في سوقٍ دائم التّطوّر.

ومن خلال التزامنا الثّابت بالتّميّز والابتكار والمشاركة في السّوق، ندعو المؤسّسات في جميع أنحاء العالم إلى تبنّي هذا النّموذج والشّروع في رحلةٍ نحو مزيدٍ من النّمو والنّجاح في السّوق. هذا النّموذج القابل للتكيّف مع التّقنيّات الحديثة مثل الذّكاء الاصطناعيّ (AI) والأساليب المبتكرة لتلبية الاحتياجات والتّحدّيات المستقبليّة في مختلف المؤسّسات.

 

المؤلف د. فيلسوفيان Dr. Philsouphian

د. فيلسوفيان هو مستشار أعمال وعضو متميّز في العديد من الجّمعيّات المهنيّة، بما في ذلك جمعيّة الإدارة الإيرانيّة، وجمعيّة العلاقات العامّة الإيرانيّة، وجمعيّة إدارة المعرفة الإيرانيّة، والجمعيّة الدوليّة للعلاقات العامّة. كما يشغل منصب مدير قسم الاتّصالات والعلاقات العامّة في شركة الشّرق الأوسط لإدارة الأعمال (MIDHCO)، ويحمل الدّكتور فيلسوفيان شهادة الدّكتوراه في إدارة المعرفة وشهادة الدكتوراه في إدارة الأعمال.

 

https://www.ipra.org/news/itle/itl-584-empowering-organizations-a-strategic-public-relations-model-for-enhancing-market-cap/

 

ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد

 

تحذير واجب.

 
لا يحق نشر أي جزء من منشورات ميديا & PR، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله على أي نحو، سواء إلكترونياً أو ميكانيكياً أو خلاف ذلك دون الاشارة الى المصدر، تحت طائلة المساءلة القانونية
 

يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:

info@ipra-ar.org

 


تابعنا :
آخر المقالات:
آخر الأخبار :