مستلزمات العمل لعام 2024: الدّور والأثر المتزايد الأهمّية للاتّصالات الاستراتيجيّة



أصبحت خبرة المدير التّنفيذي لشؤون الاتّصالات أمراً ضروريّاً في عصر تفشّي المعلومات المضلّلة. بقلم جيسيكا م. غراهام Jessica M. Graham

 

"يستغرق الأمر 20 عاماً لبناء السّمعة، وخمس دقائق فقط لتدميرها". تلخّص هذه المقولة الشّهيرة لوارن بافيت Warren Buffett  هشاشة سمعة الشّركة في عالم اليوم شديد التّرابط. حيث يمكن لأزمةٍ واحدةٍ أسيء التّعامل معها، أو رسالةٍ واحدةٍ سيّئة الصّياغة، أو زلّةِ موظّفٍ واحدٍ تمّ تصويرها أمام الكاميرا أن تهدم عقوداً من العمل الشّاق في لحظة.

لقد أصبحت القدرة على صياغة الرّسائل الاستراتيجيّة ونشرها في عصرنا الّذي يشهد تفشّي المعلومات المضلّلة واستقطاب أصحاب المصلحة وزيادة التّركيز على المسؤوليّة الاجتماعيّة للشّركات، من الكفاءات الّتي لا غنى عنها للشّركات. ومع ذلك، يغفل العديد من الرّؤساء التّنفيذيّين عن القيمة الحاسمة للتّواصل الاستراتيجي ووجود رئيسٍ تنفيذيٍّ للاتّصالات (CCO) على أعلى مستويات القيادة. وللتّعامل مع المشهد المعقّد اليوم، يعتبر وجود مسؤول اتّصالٍ استراتيجيٍّ قوي أمراً ضروريّاً، ليس فقط لإدارة الأزمات ولكن أيضاً لصياغة استراتيجيّات اتّصالٍ استباقيّة تبني الثّقة وتعزّز سمعة العلامة التّجارية وتعزّز نجاح الأعمال.

تأمّل السّيناريوهات الّتي تتكشّف من حولنا. حيث شهدت شركة Boeing انخفاض أسهمها بنسبة 25% هذا العام بعد كارثة طائرات MAX 9. وانخفض سهم شركة Tesla بنسبة 30% تقريباً هذا العام بسبب مشاكلها المستمرّة المتعلّقة بشركة Cybertruck وسمعة إيلون ماسك الّتي تزداد إثارةً للاستقطاب. هذه ليست أحداثاً معزولةً ولكنّها جزءٌ من قصّةٍ أكبر تؤكّد على أهمّية إدارة السّمعة.

 

تحدّي المعلومات المضلّلة

تتفشّى المعلومات الخاطئة والمضلّلة الّتي يغذّيها الذّكاء الاصطناعي. وتجسّد الصّور المفبركة لتايلور سويفت الّتي انتشرت على موقع X في وقتٍ سابقٍ من هذا العام التّأثير المحتمل لها، ممّا أجبر حتّى البيت الأبيض على الدّعوة إلى التّدخل القانوني. فقد انتقدت سكارليت جوهانسون شركة OpenAI لنسخ صوتها على ChatGPT دون موافقتها. واليوم، أصبحت الخطوط الفاصلة بين الواقع والتّزييف ضبابيّة، مع ما يترتّب على ذلك من آثارٍ كبيرةٍ على النّتائج النّهائيّة والمخرجات التّنظيميّة والحوار المدني. وبالرّغم من استحواذ التّأثيرات المحتملة على السّياسة في جميع أنحاء العالم على معظم الاهتمام، إلّا أنّه لا يمكن تجاهل تأثيرها المحتمل على الأعمال التّجاريّة.

أمّا على الصّعيد الدّاخلي، تتّسم التّحدّيات أيضاً بالقدر نفسه من التّعقيد. حيث تضمّ شركاتنا الآن مزيجاً غير مسبوق من خمسة أجيال، لكلٍّ منها أساليب تواصل وتوقّعات واحتياجات متميّزة في مكان العمل. وعلى الرّغم ممّا يمثّله هذا التنوّع من نقطة قوّة، إلّا أنّه يمثّل أيضاً تحدّيات تواصل فريدة من نوعها. وقد أصبح تحقيق التّوازن بين رغبات العملاء والمطالب المتضاربة للموظّفين في بعض الأحيان أكثر صعوبة. إذ يكفي أن تنظر إلى معاناة ديزني منذ عام 2022. فقد انخفضت أسهمها بنسبة 45%، وانخفضت نسبة حضور المنتزهات بنسبة 15-20% حسب بعض التّقديرات، ويرجع ذلك جزئيّاً إلى استجابة الشّركة للضّغوط الاجتماعيّة الحديثة من الموظّفين، والّتي تتعارض مع القيم التّقليديّة وتوقّعات المستهلكين.

 

صعود دور الرّئيس التّنفيذي للاتّصالات

وممّا يزيد من هذا التّعقيد هو الدّور  المتطوّر لرؤساء التّسويق. فبعد أن كانوا في السّابق لاعبين رئيسيّين على الطّاولة الاستراتيجيّة وفي كثيرٍ من الحالات حلقة الوصل بين الرّؤساء التّنفيذيين، يشهد رؤساء التّسويق الآن تراجعاً في أدوارهم التّقليديّة، حيث يتمّ الاستغناء عن بعض المناصب أو حتّى إلغاؤها. وعلى الرّغم من أنّ هذا التحوّل يشير إلى تغيّر نماذج الأعمال، إلّا أنّه يخلق فرصةً لا يمكن إنكارها للتّأكيد على الحاجة الّتي لا غنى عنها لمديرٍ تنفيذيٍّ مسؤولٍ عن التّسويق في كلّ مؤسّسة. ولا يجب أن يكون هذا المنصب مجرّد عضوٍ في مجلس الإدارة في كلّ شركةٍ فحسب، بل يجب أن تكون خبرته مدرجةً في كلّ مجلس إدارة شركة.

وفي ظلّ مشهدٍ يمكن فيه بناء السّمعة أو تدميرها في غضون نقراتٍ قليلة، أصبح دور الاتّصالات الاستراتيجيّة أكثر حيويّةً من قبل. فالمدير التّنفيذيّ للاتّصالات ليس مجرّد متحدّثٍ رسمي أو مديرٍ للأزمات، بل هو مستشارٌ استراتيجي وحارسٌ للسّمعة ومهندسٌ للرّسائل الّتي تلقى صدىً لدى مختلف أصحاب المصلحة.

كما يعتبر دور كبير مسؤولي الاتّصال أكثر من مجرّد إدارة التصوّرات الخارجيّة؛ فهو يتعلّق أيضاً بتعزيز الثّقافة والتّفاهم الدّاخليّين. فوجود خبير اتّصالاتٍ متمرّسٍ في الفريق التّنفيذي أمرٌ مفيدٌ وضرورةٌ استراتيجيّة في عصرٍ تتغيّر فيه توقّعات المستهلكين بسرعة، ويمكن لوسائل التّواصل الاجتماعيّ أن تحوّل مشكلةً بسيطةً إلى أزمة. حيث يعدّ دور مدير الاتّصالات التّنفيذيّ جزءاً لا يتجزّأ من إدارة التّوازن المعقّد بين ديناميكيّات السّوق، والإدراك العام والانسجام الدّاخلي في الوقت الّذي يمكن أن تكون فيه القصص مؤثّرةً مثل الأرقام.

كما تُظهر الأبحاث أنّ إشراك المتخصّصين في مجال الاتّصالات في مناصب الرّؤساء التّنفيذيّين وفي مجالس إدارة الشّركات يعزّز بشكلٍ كبيرٍ من قدرة الشّركة على إدارة السّمعة وتجاوز الأزمات. وقد أبرز استطلاعٌ أجرته شركة Korn Ferry مؤخّراً أنّ 41% من الرّؤساء التّنفيذيّين للاتّصالات يقدّمون تقاريرهم الآن مباشرةً إلى الرّئيس التّنفيذي، مقارنةً بنسبة 37% في عام 2015، ممّا يؤكّد على أهمّيتهم المتزايدة في عمليّة صنع القرار الاستراتيجي. وقد قامت شركاتٌ مثل IBM وJonsonson & Johnson & Johnson بتوسيع نطاق اختصاصات الرّؤساء التّنفيذيّين لتشمل مسؤوليّاتٍ استراتيجيّةٍ أوسع، ممّا يدلّ على القيمة الّتي تجلبها هذه الأدوار للفريق التّنفيذي.

 

أفضل الممارسات للرّؤساء التّنفيذيّين

تشير شركة ماكنزي إلى ما يتضمّنه الحكم الفعّال لمجالس الإدارة من تقييماتٍ شاملةٍ للمخاطر وتخطيط السّيناريوهات، وهي أمورٌ بالغة الأهمّية في بيئة الأعمال المعقّدة اليوم. حيث يؤدّي أخصّائيو الاتّصالات دوراً حاسماً في هذه العمليّة من خلال ضمان شفافيّة واتّساق الرّسائل أثناء الأزمات، ممّا يساعد في الحفاظ على ثقة أصحاب المصلحة والمرونة التّنظيميّة.

كما تشدّد جمعيّة العلاقات العامّة الأمريكيّة (PRSA) على الأهمّية المتزايدة للاتّصالات الاستراتيجيّة في معالجة القضايا المجتمعيّة وتجاوز المعلومات المضلّلة. وهي توفّر الآن مجموعةً من الموارد والأدوات المجّانيّة لمساعدة المؤسّسات على إدارة هذه التّحدّيات بفعّالية.

وعلاوةً على ذلك، يُظهر البحث الّذي أبرزه معهد تشارترد للأفراد والتّنمية (CIPD) أنّ نقص الخبرة في مجال الأفراد، بما في ذلك خبراء الموارد البشريّة والاتّصالات، في مجالس إدارة الشّركات يمكن أن يؤدّي إلى ثغراتٍ كبيرةٍ في الحوكمة. وتشير النّتائج الّتي توصّل إليها معهد تشارترد للتّطوير الوظيفيّ إلى أنّ مجالس الإدارة ذات الخبرات المتنوّعة مجهّزةٌ بشكلٍ أفضل للتّعامل مع المخاطر المعقّدة المتعلّقة بالأفراد وتعزيز الأداء المؤسّسي.

لذا يجب على الرّؤساء التّنفيذيّين الاستجابة لما يلي:

-        الارتقاء بدور كبير مسؤولي الاتّصالات إلى مستوى المديرين التّنفيذيّين ومجلس إدارة الشّركة، بما يضمن تمثيل خبرات الاتّصالات على أعلى مستويات صنع القرار.

-        الاستثمار في تدريبٍ شاملٍ في مجال الاتّصالات لجميع فرق القيادة للحفاظ على الاتّساق والوضوح في الرّسائل عبر المؤسّسة.

-        الاستفادة من الذّكاء الاصطناعيّ وتحليلات البيانات لرصد مشاعر الجّمهور، وتحديد المخاطر المحتملة على السّمعة، وإبلاغ استراتيجيّات التّواصل بشكلٍ استباقي.

-        تعزيز ثقافة التّواصل المفتوح والصّادق داخل مؤسّستك، وبناء ثقة الموظّفين ومشاركتهم.

-        وضع استراتيجيّةٍ قويّةٍ لإشراك العملاء والمستثمرين ووسائل الإعلام وأصحاب المصلحة الرّئيسيّين الآخرين للحفاظ على صورةٍ إيجابيّةٍ لدى الجّمهور.

-        التّعاون مع المدير التّنفيذي للاتّصالات لتطوير خطط التّواصل في الأزمات واستراتيجيّات الاستجابة القائمة على السّيناريوهات، ممّا يضمن استعداد مؤسّستك للمشكلات المحتملة.

ارتقِ بالاتّصالات الاستراتيجيّة إلى المكانة الّتي تستحقّها في أعمالك. حيث لم يعد بمقدور الرّؤساء التّنفيذيّين تهميش دور التّواصل الاستراتيجيّ في استراتيجيّتهم المؤسّسية. ويجب عليك أن تتبنّى قوّة التّواصل الاستراتيجيّ الفعّال لضمان النّجاح في مشهد الأعمال الّذي يزداد تعقيداً وترابطاً.

 

 

 

المؤلّف جيسيكا م. غراهام Jessica M. Graham

جيسيكا م. جراهام، المؤسّس والرّئيس التّنفيذي لشركة فيونيكس للاستشارات

 

https://www.ipra.org/news/itle/itl-587-a-2024-business-imperative-the-increasingly-critical-role-and-impact-of-strategic-communications/

 

ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد

 

تحذير واجب.

 
لا يحق نشر أي جزء من منشورات ميديا & PR، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله على أي نحو، سواء إلكترونياً أو ميكانيكياً أو خلاف ذلك دون الاشارة الى المصدر، تحت طائلة المساءلة القانونية
 

يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:

info@ipra-ar.org

 

 


تابعنا :
آخر المقالات:
آخر الأخبار :