الذّكاء الاصطناعي في مجال العلاقات العامّة والاتّصالات: هل سيغيّر أي شيءٍ فيها أصلاً؟



يتزايد ضجر الكثير من النّاس من التّواصل الّذي يقوده الذّكاء الاصطناعي ويبحثون عن تجاربٍ إنسانيّةٍ حقيقيّة. بقلم إريك فان دي نادورت Erik van de Nadort

 

الذّكاء الاصطناعي اليوم هو عبارةٌ عن كوفيد-19. الجّميع مضطرٌ للتّعامل معه، ومن الصّعب إدارته، ورغم أنّ البعض يقع ضحيّةً له للأسف، إلّا أنّ هناك الكثير من المستفيدين منه من دون شك. فإذا ما عُقد مؤتمرٌ صحفي، سيقول الوزير المسؤول "لقد انتهينا من الذّكاء الاصطناعي، لكنّ الذّكاء الاصطناعيّ لم ينتهِ منّا بعد".

إنّ وجود الذّكاء الاصطناعي يدفع الكثيرين إلى أن يصبحوا أكثر حذراً تجاهه، خاصّةً في مجال العلاقات العامّة والاتّصالات. ولكن ما هي آثاره الحقيقيّة على عملنا ووظائفنا؟

ربّما لم يكن الأمر بهذا السّوء. فقد تحدّثت مؤخّراً في بودكاست مع إيفا شرام، محرّرة أكبر صحيفةٍ يوميّةٍ هولنديّة للأعمال فينانسييل داغبلاد، حيث أشارت إلى أنّها لم تعد ترغب حقّاً في سماع المزيد عن الذّكاء الاصطناعي. فقد كانت تعمل منذ حوالي ثماني سنواتٍ في وادي السّيليكون، وكانت السّيارة ذاتيّة القيادة على وشك الظّهور، حيث كانت تقنيّة البلوك تشين هي التّقنيّة "المدمّرة" للقطاع المالي.

ومع ذلك ما زلنا نقود السيّارات بأنفسنا، ولا يزال أمامنا رحلةً طويلةً في مجال القيادة الآليّة وقدرات القيادة الذّاتيّة، لأنّها ليست جيّدةً بما فيه الكفاية بعد، ناهيك عن السّماح بها. وأنا لا أعرف عن استخدامك الشّخصي للعملات الرّقميّة، ولكن كلّ من أعرفه لا يزال سعيداً بامتلاك حسابٍ مصرفيٍّ تقليدي.

لقد تابعنا من قبل هذه الأنواع من اتّجاهات التّكنولوجيا المبالغ فيها مراتٍ عديدة. فهل يتمّ تضخيم الذّكاء الاصطناعيّ أكثر من اللّازم؟ هل نتوقّع الكثير منه؟ نعم ولا. هذه ليست إجابةً عاديّة، بل هي إجابةٌ دقيقةٌ للغاية يجب أن نحاول تبنّيها مع هذه الأنواع من التّطوّرات المشهود لها.

فالذّكاء الاصطناعيّ ليس بالأمر الجّديد؛ ونحن نستخدمه منذ سنوات دون أن نعي ذلك. إنّه يستحوذ الآن على المزيد من اهتمامنا لأنّه أصبح سريعاً وأكثر تطوّراً وأكثر وضوحاً. إنّنا نشهد تسارعاً في تطبيقه في صناعتنا لأنّ موظفينا مبدعون - خاصّةً عندما يتعلّق الأمر بتوفير الوقت.

هناك مقولةٌ هولنديّةٌ تقول ترجمتها "أفضّل الكسل على التّعب". لذا، نترك التّرجمة لـ ChatGPT لإعداد الملخّصات، ونستخدم Frase لنصوص تحسين محرّكات البحث. الأمر سهلٌ للغاية، بالإضافة إلى ما نوفّره من الوقت، يمكننا بالفعل إنجاز المزيد من العمل في يومٍ واحد.

 

تأثير الذّكاء الاصطناعي على ترتيبك على Google

ولكن هل ينتج عن ذلك تحقيق التّأثير المطلوب؟ هناك عددٌ متزايدٌ من الدّراسات حول الاختلافات بين النّصوص المكتوبة بواسطة البشر، والنّصوص الّتي يتمّ إنشاؤها بواسطة الذّكاء الاصطناعي فيما يتعلّق بنتائج تحسين محرّكات البحث وترتيب غوغل. حيث تُظهر الغالبيّة أنّ النّصوص المكتوبة بواسطة البشر تحقّق نتائجاً أعلى في جميع المقاييس الثّلاثة: تسجيل نقاطٍ أسرع في الكلمات المفتاحيّة، وترتيبٌ أعلى، وتوليد العملاء المحتملين.

في الواقع، هناك العديد من الأمثلة لشركاتٍ نشرت كمياتٍ هائلةً من المدوّنات الّتي تمّ إنشاؤها بالذّكاء الاصطناعيّ على أمل الحصول على درجاتٍ أفضل، ولكنّ هذا الكمّ الهائل لا يدرّ أرباحاً في غوغل.

هناك أمثلةٌ انخفضت فيها زيارات الموقع الإلكترونيّ بنسبة 30-50% وانخفض ترتيب غوغل فيها بشكلٍ ملحوظ.

كما أطلقت غوغل مؤخّراً تجربة البحث التّوليديّة (SGE). وهي تجربةٌ فريدة، على الأقل إذا كنت تبحث عن بعض هلوسات الذّكاء الاصطناعي المضحكة. لقد شاهدنا أمثلةً على الأخطاء الّتي وقعت، ولكن الأكثر إثارةً للاهتمام هو الطّريقة الّتي يستخدمها النّاس. حيث تقوم SGE على عرض الإجابات (المحتملة) بدلاً من القائمة التّقليديّة للمواقع الإلكترونيّة المرتبطة المحتملة.

وبالإضافة إلى الإجابات الخاطئة، يخشى الخبراء ومالكو عناوين المواقع الإلكترونيّة من فقدان عدد الزّيارات إلى مواقعهم الإلكترونيّة، لأنّ الأشخاص حصلوا على إجاباتهم من Google. ومع ذلك، يُظهر البحث الّذي أجرته شركة Siege media أنّ العكس هو الصّحيح: ففي فترة الانطلاقة الأوّليّة في الولايات المتّحدّة، كانت معدّلات نِسَب مشاهدة النّقرات أعلى في الإعداد الجّديد القائم على الذّكاء الاصطناعي مقارنةً بنتائج البحث الأساسيّة. وبعد مرحلة الانطلاق، قام عملاق البحث بتخفيض عدد النّتائج المعروضة الّتي تمّ إنشاؤها بالذّكاء الاصطناعي إلى 15% (أقلّ من 84%) على الرّغم من أنّ ذلك لم يكن بسبب الضجّة الّتي أثيرت حول الإجابات الخاطئة. فقد لا تكون مُحسّنات محرّكات البحث منتهيةً بالفعل.

 

إعادة تقييم الجّانب البشري

لقد قيل ذلك من قبل، ولكن لا تزال هناك حاجةٌ إلى البشر إلى جانب الذّكاء الاصطناعي. حيث ذكر الخبير الإعلامي الهولندي إلجر فان دير ويل Elger van der Wel في رسالته الإخباريّة مؤخّراً، أنّه يتوقّع ردّ فعلٍ عنيف مدفوعاً بالطّلب المتزايد على الاستماع إلى أشخاصٍ حقيقيّين.

لقد ملّ الكثير من النّاس من التّواصل الّذي يقوده الذّكاء الاصطناعي، وهم يبحثون عن تجاربٍ بشريّةٍ حقيقيّة. وهي عبارةٌ لم تكن تجرؤ على كتابتها قبل عامٍ من الآن. وبخلاف تدقيق الحقائق، والتحقّق من المصادر، وإضفاء إحساسٍ بالمشاعر الحقيقيّة على النّص، هناك عنصرٌ آخر مهم يجعل من المدخلات البشريّة عنصراً لا غنى عنه. حيث يمكن لـ ChatGPT أن يبتكر زوايا إبداعيّة دون أن يتوسّع فيها، لأنّ كلّ شيءٍ يعتمد على المحتوى الموجود والرّوابط المنطقيّة.

أمّا الرّؤى الجّديدة ووجهات النّظر المثيرة للتّفكير والآراء المخالفة فلا يزال البشر هم من يبتكرونها. ونادراً ما تبرز نفسك بتكرار ما سبق أن قاله الآخرون. لأنّك بالفعل تصبح أقلّ جاذبيّة إذا كرّرت نفسك في مرحلةٍ من المراحل.

 

الذّكاء الاصطناعي يجعل بيانات الشّركة متاحةً للجميع

هناك مصدر قلقٍ آخر، وهو حماية معلومات الشّركة، سواءً كانت حسّاسةً أو غير ذلك. إذ يوجد عددٌ متزايدٌ من الأمثلة على البيانات الّتي انتهى بها المطاف في المجال العام، بعد أن قام شخصٌ ما بتشغيلها من خلال أداة ذكاءٍ اصطناعي.

تتّخذ الشّركات إجراءاتٍ صارمةً في هذا الشّأن. فقد رحّبنا في الأشهر الأخيرة، بصفتنا وكالة علاقاتٍ عامّة، بالعديد من العملاء الجّدد الّذين تحظر عقودهم صراحةً استخدام أدوات الذّكاء الاصطناعيّ العامّة في العمل المنجز لهم. والسّبب في ذلك هو الخوف من نشر بيانات الشّركة على الملأ، ولكن ربّما يكون السّبب أيضاً مجرّد وسيلةٍ لضمان أن يكون عمل التّواصل مصاغاً (اقرأها جيّدا: أن يكون مصاغاً بشريّاً).

وبصراحةٍ تامّة، إذا كان بإمكان الذّكاء الاصطناعيّ القيام بكلّ شيء بمفرده، فلن تضطر أبداً إلى توظيف وكالةٍ بعد الآن. ليس هناك شكٌّ في كيفيّة تغيير الذّكاء الاصطناعي لعناصر صناعة العلاقات العامّة والاتّصالات. ولكن هناك توازنٌ دقيقٌ يجب إيجاده في احتضان الإمكانيّات، واستكشاف أدوات الذّكاء الاصطناعي، ونشره لأتمتة المهام المتكرّرة وتحسينها وإعطائه فرصةً كشريكٍ في السّجال.

ولكن في الوقت الحالي، يبقى جوهر العمل في عدم مغادرة مكاتبنا. يذكر الصحفي الهولندي لورينس فيرهاغن Dutch Volkskrant في عموده الصّحفي في مجلة فولكس كرانت الهولنديّة نقلاً عن العالم الإدراكيّ دوغلاس هوفستادر Douglas Hofstadter: عندما تبدو المكننة وكأنّها تشير إلى نهاية الإبداع، يكون العكس هو الصّحيح: في ذلك اليوم تنفتح أعيننا على عوالم جديدة كاملة من الجّمال. إنّني أعظ رعيّتي بالقول إنّني أرحّب بها، كما أعتقد أنّها مفيدةٌ لنا جميعاً.

• أطلقت IPRA مؤخّراً فرعاً خاصّاً بالذّكاء الاصطناعي.

 

المؤلّف إريك فان دي نادورت Erik van de Nadort

إريك فان دي نادورت هو شريك أوّلٌ في وكالة العلاقات العامّة والاتّصالات الأوروبيّة "تيتو". يتمتّع بخبرةٍ تزيد عن خمسةٍ وعشرين عاماً في مجال الاتّصالات التّقنيّة بين الشّركات والمستهلكين. بدأ إيريك حياته المهنيّة في مجال العلاقات العامّة في وكالةٍ هولنديّة، وبعدها شارك في تأسيس شركته الخاصّة الّتي تركّز على منطقة البنلوكس Benelux، الّتي استحوذت عليها تيتو Tyto في عام 2023.

 

https://www.ipra.org/news/itle/itl-590-ai-in-pr-and-communications-will-it-change-anything-at-all/

 

ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد

 

تحذير واجب.

 
لا يحق نشر أي جزء من منشورات ميديا & PR، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله على أي نحو، سواء إلكترونياً أو ميكانيكياً أو خلاف ذلك دون الاشارة الى المصدر، تحت طائلة المساءلة القانونية
 

يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:

info@ipra-ar.org

 

 


تابعنا :
آخر المقالات:
آخر الأخبار :