أين وكيف: لماذا لا زلنا نعاني من الاستراتيجية؟


يجب ألا تقتصر الاستراتيجية على تحديد الموقف فحسب، بل يجب أن تكون ملهمة. لو كانت مملة، فهذا يعني أنها تمت بشكل خاطئ. بقلم مونيك زيتنيكMonique Zytnik

إذا كان المحتوى هو الملك، فالاستراتيجية هي الملكة. وفي عصر الذكاء الاصطناعي الذي نعيشه، والذي يغرقنا فيه المحتوى الزائد، أصبح الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى النجاح هو الطريق الاستراتيجي.

ولكن يبدو أننا ما زلنا نعاني من مشكلة الاستراتيجية.

حيث كشف بحث أجرته مؤخراً شركة بيوند وهايلوBeyond and Haiiloفي ألمانيا عن حجم المشكلة. فقد سُئل 300 من العاملين في مجال التواصل الداخلي عن أكثر ما يعوقهم عن تحقيق النجاح، فأجاب 33% منهم بأن السبب هو الافتقار إلى الاستراتيجية، أو بالأحرى غياب الاستراتيجية. لقد كانت الاستراتيجية مفقودة.

من أجل التعريف، الاستراتيجية هي معرفة أين أنت، وإلى أين تريد الوصول، وكيف ستصل إلى وجهتك بطريقة مدروسة. وأضيف دائماً الحاجة إلى أن تكون قادراً على التكيف مع تقدمك. يبدو الأمر بسيطاً، ولكن لماذا نهمل تدوين ذلك على الورق؟

هل الاستراتيجية تشبه إلى حد ما البروكولي - نحن نعلم أنه جيد لنا ولكننا لا نعرف كيف نجعله لذيذاً ومرغوباً فيه.

هل لأن الاستراتيجية كلمة مشينة؟

ضع خططاً أفضل

آمل أن يكون كتابسيث غودينSeth Godinالأخير "هذه هي الاستراتيجية: وضع خطط أفضل"سيجعل الفكرة أكثر جاذبية. فهو يدور حول وضع خطط يومية أفضل للأشياء المهمة.

عندما فتحت غلاف الكتاب بشغف، فوجئت بعدم وجود نموذج سهل يمكن اتباعه، بل سلسلة من الأفكار الموجهة المصممة لجعلك تفكر.

هذه هي مشكلة الاستراتيجية.

أنت بحاجة إلى التفكير. وعقلك يحتاج إلى العمل. إنها دائماً مشكلة متعددة الأبعاد تعمل على حلّها، وليست مطرقة تسرّع الحلّ لتضرب بها المسمار.

هل من الصعب جداً القيام بذلك؟

لا أعتقد ذلك. لكنه يتطلب فهم كيفية تناسب التكتيكات مع الاستراتيجية، أو العكس هو الصحيح. علينا أيضاً أن نتذكر أن تطوير الاستراتيجية يتطلب مهارات مثل رسم خرائط أصحاب المصلحة، وتحليل السوق، والتنبؤ طويل الأمد، وهي مهارات لم يتدرب عليها الجميع. أما بالنسبة لمن يفتقرون إلى هذه الخبرة، فقد يكون الغوص في الاستراتيجية أمراً شاقاً.

نموذجي الاستراتيجي البسيط للتواصل الداخلي

لهذا السبب عندما ابتكرت نموذجي الاستراتيجي البسيط للتواصل الداخلي مع الاستراتيجية التأسيسية، وتقنيات التواصل الشبكي والتواصل التفاعلي، أوضحتُ كيفية تناسب التكتيكات المختلفة والقياسية مع هذا النموذج، وكيفية دمجها في الاستراتيجية.

وبصفتي خبيرة تواصل داخلي واستشارية في مجال التواصل الداخلي، لا يمكنني أن أخبرك بعدد المرات التي ركز فيها أحد كبار القادة على تكتيك معين كحل للتواصل. على مدار العام الماضي وأنا أشارك وجهات النظر من كتابي، كنت أضحك على المنصة وأقول "أنت تعرف تلك اللحظة التي يقترب فيها منك ذلك القيادي ويخبرك أنه بحاجة إلى مقطع فيديو".

إن مهمتنا هي مساعدة القياديين على رؤية الكيفية التي يتلاءم بها الفيديو مع استراتيجية كاملة، ومن ثم ربما يتساءلون عما إذا كان الفيديو هو الأداة المناسبة لتحقيق النتيجة المرجوة مع جمهور معين.

هل نحن مملون؟

يتفهم مات والشMatt Walsh، الرئيس التنفيذي السابق الذي تحول إلى مدرب تنفيذي مقيم في أديلايد، أستراليا، قيمة الاستراتيجية من منظور الأعمال، من خلال نمو الأعمال وعمليات الدمج والاستحواذ وتدريب الآخرين أيضاً. وهو يشبّه ذلك بالموت بواسطةPowerpoint- وهو أمر يمكننا جميعاً التعرّف عليه.

يقول مات: "إذا كانت الاستراتيجية مملة، فهذا يعني أنها تُطبّق بشكل خاطئ، أو أنك اختبرتها بشكل سيئ. إنها مثل الكثير من نقاط الباوربوينت المملة." ومن بين الاقتباسات المفضلة لديه مقولة لهنري مينتزبرغHenery Mintzberg"لا يجب أن تكون الاستراتيجية في موضعها فحسب، بل يجب أن تتّسم بالإلهام".

وهذا يعني بالنسبة لي ألا تكون طويلة جداً، بل مفيدة، وحتى جميلة إذا كانت ستتم مشاركتها. أضف القليل من الإلهام لما ستؤول إليه النتيجة.

تقول كاتي مارلوKatie Marlow، خبيرة الاتصالات والقيادية فيCIPRمن المملكة المتحدة، إنها فوجئت أيضاً بعدد الفرق التي صادفتها والتي تفتقر إلى استراتيجية اتصالات داخلية.

قالت كاتي: "لقد سمعت أشخاصاً يقولون أنّ هذه الاستراتيجية قد عفا عليها الزمن بحلول الوقت الذي يتم فيه إنتاجها، أو أنّ لا أحد يستخدمها بمجرد إنتاجها، أو أنه لا يوجد تأييد من القيادة لها كأسباب أخرى لعدم وجود استراتيجية". "أعتقد أنّ هناك تصوراً سائداً بأن الاستراتيجية يجب أن تكون مستنداً معقداً وطويلاً. فما المانع من وجود استراتيجية بسيطة في صفحة واحدة تجعلك تركز على العمل الذي تحتاج إلى القيام به؟

استراتيجية تنصحك بأن "تحافظ على البروكلي مقرمشاً مع القليل من التتبيلة الإبداعية لإضفاء النكهة مع عدم الإفراط في طهيه".

هل يُحجم أصحاب الرؤى عن تنفيذ الرؤية رغم جمالها النظري؟

الاستراتيجية هي مجرد رؤية حتى تصبح موضع تنفيذ. ويعتقد العديد من الممارسين أن المهارة تكمن في التسليم وليس في الاستراتيجية. فهم يعتبرون أن مجرد إنجاز شيء ما بجودة عالية يستحق الثناء. وبحكم عملي في مؤسسات مختلفة ومعقدة، أستطيع أن أرى كيف أن تجاوز الروتين لتنفيذ شيءٍ ما بجودةٍ عالية - على سبيل المثال لا الحصر - يعدّ إنجازاً.

التكتيك بدون استراتيجية هو الصخب الذي يسبق الهزيمة

ولكن كما قال الاستراتيجي العسكري صن تزوSun Tzu: "الاستراتيجية بدون تكتيكات هي أبطأ طريق للنصر. والتكتيك بدون استراتيجية هو الضجيج الذي يسبق الهزيمة." ونحن بحاجة إلى حدوث كليهما.

وتتفق ستيفاني بيلونStephanie Pilon، نائب الرئيس العالمي للتسويق الرقمي في مجموعة أديكوAdecco Group، وهي شركة توظيف، مع هذا الرأي قائلة: "يمكن أن تصبح الاستراتيجية أحياناً ضجيجاً حول المؤسسة دون أي عمل حقيقي وراءها، أو أي صلة بالحياة اليومية الفعلية للأشخاص الذين من المفترض أن ينفذوها، وسرعان ما تتحول إلى مصطلحات تلفت الأنظار. تحتاج كل شركة ومنتج وفريق عمل وقسم وغير ذلك إلى استراتيجية، ولكننا بحاجة أيضاً إلى "القيام بالعمل" لتنفيذها وتحقيق أهدافها، وهذا الجزء يتطلب الكثير من التنسيق والقيادة.

تقول ستيفاني: "في الإجابة، لست متأكدة مما إذا كان الأمر مجرد ضجيج مضلّل ومبالغ فيه وغير تعاوني وغير منسق في بعض الأحيان".

ويتفق دان كولبيDan Coleby، مدرب استراتيجية تكنولوجيا المعلومات من أشتياد بالمملكة المتحدة، على أن هذا التحدي يشمل جميع المجالات.  "الاستراتيجية: " هي خطة عمل مصممة لتحقيق هدف طويل الأجل أو هدف عام." يقول دان "يقضي معظم الناس كل وقتهم في التفكير في الهدف ولا يقضون وقتاً كافياً في وضع خطة عمل. فالاستراتيجية عديمة الفائدة ما لم يكن بالإمكان تنفيذها."

يبدو أننا جميعاً بحاجة إلى القليل من العلاج النفسي للتغلب على التجارب السيئة السابقة مع الاستراتيجيات التي لم يتم تنفيذها بشكل جيد.

هل هناك قصور في التعريف بالأهمية والتأثير؟

بالنسبة للبعض، تبدو "الاستراتيجية" مجردة أو نظرية للغاية، وغالباً ما يُنظر إليها على أنها منفصلة عن العمل اليومي. فقد يرى الناس التخطيط الاستراتيجي مضيعة للوقت، إذا واجهوا استراتيجيات لم تنجح أو بدت غير عملية.

هل يفهم جمهورك المستهدف ما تعنيه الاستراتيجية؟

"من خلال تجربتي، يتم بذل الكثير من الجهد في إنتاج وإعلان "الاستراتيجية"، لكن لا يتم بذل جهد كافٍ لضمان فهم الجمهور المستهدف لما تعنيه الاستراتيجية بالفعل من الناحية الواقعية. وهذا ليس مملاً في حد ذاته، ولكن الاستراتيجية قد تفتقر إلى سياق العمل اليومي لأنها عالية المستوى للغاية وتظهر على أنها "شيء يقلق القادة" كما يقول ديفيد بومانDavid Bowman، مدير المنتجات في شركة فريش إنترانِتFresh Intranet، لندن، المملكة المتحدة.

هل صبرنا نافذٌ أكثر من اللازم؟

يتوقع العديد من أصحاب المصلحة تحقيق مكاسب سريعة. من ناحية أخرى، قد تستغرق الاستراتيجية وقتاً طويلاً لتظهر نتائجها، مما يجعل من الصعب تبرير الاستثمار الأولي للوقت والموارد.

أحياناً يبدو الأمر وكأننا ببساطة لا نملك الوقت الكافي، ولكنني رأيت في العديد من المرات مبادرات (غير استراتيجية، دون فهم جيد للجمهور) تحتاج إلى إعادة صياغتها وإعادة إطلاقها، مما يسبب الارتباك والتأخير وإهدار الموارد.

كيف يمكننا إحداث التغيير؟

كما أوضحسيث غودينSeth Godinفي كتابه"هذه هي الاستراتيجية"، "الناس لا يفعلون الأشياء لأنك تريدهم أن يفعلوا ذلك. إنهم يتغيرون لأنهم يريدون ذلك."

لقد أدركت بعد أن كنت من عشاق استراتيجية 'آكل البروكلي' المتحمسين، أنه عليك في بعض الأحيان أن تختار الحل التكتيكي السريع، ومقطع الفيديو الذي يرضي القيادات، وتتمكن فقط من إدارة "الأشياء". قم بتضمين هذه الجزئية خلسةً في استراتيجية ذات صفحة واحدة، واجعلها بداية للحديث عن سبب كون المكونات الأخرى للاستراتيجية لذيذة بنفس القدر، واجمعها في تجربة أكثر لذةً وإرضاءً لعملائك.

ولكن عندما يتعلق الأمر بالبنود ذات الأهمية الكبيرة، حيث تكون الرهانات كبيرة، أعتقد أن الوقت قد حان لمضاعفة الجهد والبدء في إدارة أصحاب المصلحة للتأكد من وجود وقت كافٍ لوضع استراتيجيةٍ قوية وعالية الجودة.

إنّ مبادرات التغير المناخي، والانتخابات، وقوانين الذكاء الاصطناعي، وتسريح الموظفين، وعمليات الاندماج والتملك، كلها بنود ذات رهانات كبيرة، لها آثار كارثية على الناس إذا لم تكن استراتيجية التواصل سليمة تماماً، إنها أنيقة في بساطتها، وفعّالة في تنفيذها.

لذا، دعونا حالياً نعمل جاهدين باستخدام القيادة الاستراتيجية، والاتساق، والقياس، والموثوقية ومهاراتنا الممتازة في إدارة أصحاب المصلحة، لخلق بيئة تحظى فيها الاستراتيجية بالاعتبار لما تحققه من نتائج مفيدة لمؤسساتنا وأفرادها وأرباحها النهائية.

المؤلفة مونيك زيتنيكMonique Zytnik

مونيك زيتنيك هي رائدة عالمية في مجال التواصل الداخلي. حائزة على جوائز في مجال التواصل الداخلي، ومقرها برلين، ألمانيا، ومؤلفة كتاب "التواصل الداخلي في عصر الذكاء الاصطناعي". عملت على الصعيد الدولي، وقدمت عروضاً حول أفضل ممارسات التواصل في المؤتمرات العالمية، وحاضرت كضيفة محاضرة في الجامعات.

https://www.ipra.org/news/itle/itl-608-where-and-how-why-are-we-still-struggling-with-strategy/

ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد

تحذير واجب.

لا يحق نشر أي جزء من منشورات ميديا & PR، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله على أي نحو، سواء إلكترونياً أو ميكانيكياً أو خلاف ذلك دون الاشارة الى المصدر، تحت طائلة المساءلة القانونية

يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:

info@ipra-ar.org


Follow IPRA:

اتصل بنا

Mobile1 : +961-70043459
Mobile2 : +963-116122067
Fax :+963-0116117020
Email :ingo@ipra-ar.org