إطلاقُ العنان لقوّةِ القيادةِ الفكريّة: دليلٌ لمتخصّصي العلاقاتِ العامّة



قامت شركةُ سيمِنز Siemens ببناءِ استراتيجيّةٍ قويّةٍ لقيادةِ الفكرِ المؤسّسيّ بناءً على أربعةِ مبادئَ رئيسيّة. بقلمِ لينيت جاكسون Lynette Jackson

 تُعتبَرُ قيادةُ الفكرِ واحدةً من تخصّصاتِ الاتّصالِ المفضّلةِ لدي. إنّها بالنّسبة لي الرابطُ بينَ العديدِ منَ المجالاتِ المختلفةِ للعلاقاتِ العامّةِ والاتّصالاتِ التّسويقيّة. قال جيف بيزوس Jeff Bezos ذاتَ مرّة: "علامتكَ التّجاريّةُ هي ما يقولهُ النّاسُ عنكَ عندما لا تكونُ في الغرفة". خذ هذهِ الخطوةَ إلى ما هو أبعدَ من ذلك؛ القيادة الفكرية هي عندما يناقشُ النّاسُ أفكاركَ عندما لا تكونُ في الغرفة.

 إنَّ القدرةَ على التّفاعلِ مع أصحابِ المصلحةِ لدينا حولَ رؤًى قيّمةٍ ووجهاتِ نظرٍ جديدةٍ ومحتوًى جذّاب، هو ما يجعلني شغوفةً جدًا بالقيادةِ الفكريّةِ العظيمة. حيثُ أنّنا نعلمُ جميعًا أنّ جمهورنا لم يعد راضٍ عن مجرّدِ التّرويجِ البسيطِ للمنتجاتِ والخدمات. وقيادةُ الفكرِ هيَ المحورُ هنا. إنّها تمكّننا من تقديمِ محتوًى لأصحابِ المصلحةِ لدينا، محتوًى يقومُ بإعلامهم وتثقيفهم وحتّى تسليتهم؛ المحتوى الّذي سيختارونَ قراءتهُ في عطلةِ نهايةِ الأسبوع. محتوًى جذّابٌ لا يُنسى ومصوغٌ بشكلٍ جميلٍ في بعضِ الأحيان.

 كما تتيحُ لنا القيادةُ الفكريّةُ في جوهرها بناءَ الثّقةِ والمصداقيّةِ والاتّصالاتِ الهادفةِ مع جمهورنا المستهدف. وهذا هو الحالُ بشكلٍ خاصٍّ مع عمليّةِ الشّراءِ الأكثرَ تعقيدًا في سلسلةٍ من أساليبِ العلاقاتِ العامّةِ أو التّسويقِ الّتي تقومُ بها الشّركاتُ التّجاريّةُ من أجلِ تكوينِ صورةٍ عامّةٍ عن خدماتها وزيادةِ الوعيِ بهذهِ الخدمات (B2B).

 وعندما تولّيتُ منصبي الحاليّ كرئيسٍ للاتّصالاتِ في شركةِ سيمنز، أنشأتُ فريقًا جديدًا لقيادةِ الفكرِ المؤسّسيِّ جنبًا إلى جنبٍ معَ علاقاتنا الإعلاميّةِ الممتازةِ وأنشطةِ تحديدِ المواقعِ التّنفيذيّة. وأنا محظوظةٌ بفريقٍ أساسيٍّ موهوبٍ ومبدعٍ وواسعِ الحيلة، متّصلٍ بشبكةٍ من المتخصّصينَ الموهوبينَ في قيادةِ الفكرِ في أعمالنا، والّذينَ يقومونَ بتوظيفِ مجموعةٍ متناميةٍ من المؤثّرينَ الخبراءِ لمشاركةِ قصصنا.

وهنا أسّسَ الفريقُ استراتيجيّتهُ بالاعتمادِ على أربعةِ مبادئَ رئيسيّةٍ هيَ:

ربطُ المصداقيّةِ بالتّفكيرِ البصير

 منَ الممكنِ تطويرُ محتوًى رائعٍ مع الكُتّابِ المبدعينَ والموهوبين، وأدواتِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ المستخدمةِ للتّحليلِ أينما وُجِدَتِ المساحةُ البيضاء. لكنَّ القيادةَ الفكريّةَ هي جزءٌ من مجموعةِ أدواتِ التّسويقِ والاتّصالات الخاصّةِ بنا، والمصمّمةُ لربطِ جمهورنا لاتّخاذِ الإجراءاتِ الّلازمة. إذ إنّها أفضلُ بكثيرٍ في حالِ شجّعت عملاءنا على الرّغبةِ في شراءِ المزيد، أو شجّعتِ العملاءَ المحتملينَ على التّفكيرِ في الشّراء. وهذا هو السّببُ في أنَّ القيادةَ الفكريّةَ القويّةَ تحتاجُ إلى ربطِ المحتوى ذو الرؤية بشيءٍ يجعلكَ تتمتّعُ فيهِ بمصداقيّةٍ قويّةٍ حيثُ تريدُ بناءَ الوعيِ والاهتمام.

 وهذا يعني أنَّ الأفكارَ ليست مجرّدَ رحلاتٍ خياليّةٍ، ولكنّها متجذّرةٌ بقوّةٍ في الحقائقِ المحتملة. وعلاوةً على ذلك، ينبغي أن تستندَ إلى عملٍ تجاريٍّ قد نجحتَ فيه بالفعل. حيثُ أنّنا في شركةِ سيمنز Siemens، نتميّزُ على سبيلِ المثالِ في مجالِ "التوائمِ الرّقميّة"، وقد أسّسنا مصداقيّةً كبيرةً في هذا المجالِ. فالهدفُ معَ قيادةِ الفكرِ هو أن تكونَ صاحبَ رؤية، لذلكَ بدأنا الحديثَ عن مستقبلِ التوائمِ الرّقميّة، هذا المستقبلُ المتمثّلُ بالميتافيرس الصّناعيّ الّذي يعني التقريبَ بينَ التّكنولوجيّاتِ الفرديّةِ الّتي يمكنُ، عندَ استخدامها مجتمعةً، أن تخلقَ بيئةً صناعيّةً افتراضيّةً أو افتراضيّةً/ماديّةً ثلاثيّةَ الأبعادِ، تبدو وكأنّها تحيطُ بالمستخدم. كما استحوذنا من خلالِ مواءمةِ مصداقيّتنا مع النّظرةِ المستقبليّة، استحوذنا على اهتمامِ العديدِ منَ العملاءِ والصّحفيّينَ وأصحابِ المصلحةِ في جميعِ أنحاءِ العالم.

الأصالةُ مهمة

 الأصالةُ هي حجرُ الزّاويةِ في قيادةِ الفكرِ المؤثّر. حيثُ يتردّدُ صدى الأصواتِ الحقيقيّةِ بقوّةٍ أكبر، حتّى لو لم تكن مصقولةً تمامًا. وعلى الرّغمِ من أنّني كنتُ دائمًا متمسّكةً بالرّسائلِ الرّئيسيّةِ والجملِ المصاغةِ بدقّة، إلا أنّ العاملَ الأهمَّ هو صحّةُ الرّسالةِ نفسها. فالأصالةُ هي ما يشكّلُ الاتّصالَ الحقيقيّ.

 لذلكَ تحتاجُ إلى تشجيعِ مجموعةٍ متنوّعةٍ من قادةِ الفكرِ داخلَ مؤسّستكَ، ممّا يسمحُ لهم بالتّعبيرِ عن شغفهم بموضوعاتهم بكلماتهم الخاصّة. وحتّى عندما يتمّ دعمُ كبارِ المسؤولينَ التّنفيذيّين من قِبلِ كتّابٍ أشباحٍ موهوبين، فإنّ الأمرَ يتعلّقُ بتمثيلِ النّغمةِ الحقيقيّةِ لصوتِ ذلكَ القائد. (الكاتبُ الشّبح.. مصطلحٌ اتُّفِقَ عليهِ للدّلالةِ على من يملكُ المهارةَ الأدبيّةَ في كتابةِ المقالاتِ أو الخطبِ أو الكتب تحت اسم كاتبٍ آخر، تلكَ الكتبِ الّتي غالبًا ما يكونُ أصحابها من المشاهيرِ أو القادةِ في عالمِ الفنِّ والسّياسة، فيلجؤونَ إلى دُورِ نشرٍ يتوفّرُ لديها أصحابُ هذهِ المهارة، والّذينَ يتقاضونَ أجورًا ماديّةً مقابلَ عدمِ الإفصاحِ عن أسمائهم.)

التّنسيق

 إنّكَ تحتاجُ في الوقتِ نفسهِ إلى التّأكّدِ من أنّ هذهِ الأصواتَ الفريدةَ والأصليّةَ تحكي نفسَ القصّةِ، لأنَّ تماسكَ العلامةِ التّجاريّةِ أمرٌ ضروريٌّ في نهايةِ المطاف. وبالتّالي، فإنَّ القيادةَ الفكريّةَ لا تقتصرُ على التّألّقِ الفرديِّ فقط؛ إنّما يتعلّقُ الأمرُ بتنسيقِ الأفكار. وهذا أمرٌ بالغُ الأهميّةِ بشكلٍ خاصٍّ في الشّركاتِ الكبيرةِ والعالميّة، حيثُ يمكنُ للعديدِ منَ الخبراءِ والقادةِ المساهمةُ في الخطاب. لذا أنتَ بحاجةٍ إلى هيكلٍ واستراتيجيّةٍ واضحينِ لضمانِ الاتّساقِ والكفاءةِ والتّأثير.

 كما عليكَ أن تركّزَ على كلٍّ من إنشاءِ المحتوى وتنسيقهِ أثناءَ شروعكَ في رحلةِ قيادةِ الفكرِ الخاصّةِ بك. وكخطوةٍ أولى تتمثّلُ مَهَمّتك في تحديدِ الموضوعاتِ الرّئيسيّةِ وصياغةِ محتوًى جذابٍ، بالإضافةِ إلى العثورِ على التّنسيقاتِ المناسبة. يتعلّقُ الأمرُ بعدَ ذلكَ بتنسيقِ الأشخاصِ والعمليّات: بحيث يشملُ ذلكَ تحديدَ الخبراءِ الّذينَ لديهمُ الرّغبةُ في التّواصل؛ تشجيعِهم وتدريبِهم؛ وتوفيرِ مجموعةِ محتوًى لتبادلِ المعرفةِ بكفاءة. وبعدَ إنجازكَ لهاتينِ الخطوتينِ، يمكنكَ السّماحُ لسفرائكَ بالتّواصلِ بطريقتهم الخاصّة، والمشاركةُ في المناقشاتِ، والاستمتاعُ بمختلفِ ما يظهرُ من مستوياتٍ وأنماطٍ للتّواصل.

التوقيتُ هو المفتاح، والبياناتُ أمرٌ حيوي

 لا تقتصرُ قيادةُ الفكرِ على مجرّدِ الاستجابةِ للاتّجاهات؛ بل يتعلّقُ الأمرُ بتأسيسِ الاتّجاهات. والهدفُ هو بدءُ المحادثات بدلاً منَ المطاردةِ الدّائمةِ حيثما سارت هذه المحادثاتُ بالفعل. حيثُ يصبحُ استخدامُ البياناتِ والتّحليلاتِ أمرًا حتميًّا لتحديدِ المحتوى الّذي سيكونُ ذا صلةٍ بأصحابِ المصلحةِ لدينا في غضونِ ستّةِ أشهر، أو حتّى بعد عامٍ منَ الآن. فهي تساعدكَ على تحديدِ الموضوعاتِ النّاشئةِ ووضعِ جدولِ الأعمالِ وإجراء المناقشات.

 فعلى سبيلِ المثال، شرعنا في شركةِ سيمنز Siemens في "امتلاكِ" مجالِ التّحولِ الصّناعيّ الميتافيرس، ووضعِ أنفسنا كواحدةٍ من أولى الشّركاتِ الصّناعيّةِ الّتي تناقشُ إمكاناتِها لعملائنا وشركتنا والمجتمعِ ككل. وقد فعلنا ذلكَ عبرَ العديدِ من القنواتِ المختلفةِ، بما في ذلكَ فعّالياتٌ مثلَ MetaBeat وEconomist Metaverse Summit، والتّعاونُ مع مجلّةِ TIME وMonocle، وبالطّبعِ، قمنا بنشرِ وفرةٍ من المحتوى الأصليِّ المخصّصِ مع وصولٍ طبيعيٍّ مرتفعٍ بشكلٍ ملحوظٍ عبرَ الإنترنت، مثلَ المستنداتِ التّقنيّةِ والدّراساتِ والنّدواتِ عبرَ الإنترنت والبودكاست والمزيد؛ (البودكاست هو ملفٌّ صوتيٌّ رقميٌّ متاحٌ على الإنترنت للتّنزيلِ على جهازِ الكمبيوتر أو جهازِ المحمول. يكون متاحًا عادةً كسلسلة، ويمكنُ للمشتركينَ تلقّي الدّفعاتِ الجديدةِ منهُ تلقائيًا). وبالنّظرِ إلى "حصّةِ الصّوت"، نجدُ أنفسنا الآنَ على مستوى أعينِ عمالقةِ الصّناعةِ وشركاءِ النّظامِ البيئيِّ، ممّا يؤكّدُ نجاحَ استراتيجيّتنا.

خاتمة

 تتمتّعُ القيادةُ الفكريّةُ بالقدرةِ على أن تصبحَ ميزتكَ التّنافسيّةَ في السّعيِ لجذبِ الانتباهِ وإثارةِ الاهتمامِ وتعزيزِ العلاقاتِ معَ العملاء. إنّها طريقٌ ديناميكيٌّ ذو اتّجاهينِ؛ يقدّرُ الأصالةَ والابتكارَ والمشاركة. فيها تحتاجُ إلى ربطِ المصداقيّةِ والرؤية للاستفادةِ من إمكاناتها الكاملةِ؛ بالإضافة إلى إعطاءِ الأولويّةِ للأصالةِ على الّلغةِ الموحّدةِ للشّركة؛ وتنظيمِ الأشخاصِ والعمليّات؛ ونشرِ البياناتِ لاختيارِ الموضوعِ المناسبِ في الوقت المناسب.

عندَ تنفيذها بشكلٍ صحيح، يكونُ لديكَ أداةً قويّةً تصلُ فيها إلى النّقطةِ المثاليّةِ بين العلاقاتِ العامّةِ والتّسويقِ، ممّا يلبّي كلًّا منَ التّعرّفِ على العلامةِ التّجاريّةِ وتوليدِ الطّلب.

 وهذا ما يحصلُ لي في كلِّ مرّة. لذا أشجّعكم وبشدّةٍ على إنشاءِ استراتيجيّةٍ واضحةٍ لقيادةِ الفكرِ وقياسِ كلِّ مقطعٍ لفظيّ فيه. فقيادةُ الفكرِ تستحقُّ ذلك.

 

المؤلّف لينيت جاكسون Lynette Jackson

 لينيت جاكسون، الرّئيس التّنفيذي للاتّصالات، شركة Siemens AG.

https://www.ipra.org/news/itle/itl-551-unlocking-the-power-of-thought-leadership-a-guide-for-pr-professionals/

ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد

 


تابعنا :