الاتّصالات المؤسّسيّة كمركز خدمة لصناعة الإعلام: سلاح ذو حدّين



إنّ تقديم الاتّصالات المؤسّسيّة كمركز خدمة لشركات الإعلام يحمل فرصاً ومخاطر على حدّ سواء.

بقلم ماركوس بِرغر Markus Berger

تظهر مسألة مستقبل الصّحافة في الأوقات الّتي تواجه فيها دُور الإعلام وبشكل متزايد نقصاً في الموارد وتقليص حجم التّحرير. التّحديات واضحة.. وقت أقل للبحث، والمزيد من "النّسخ واللّصق"، وبالكاد يكون هناك أيّ جدول أعمال فردي. وفي هذا السّياق، يمكن النّظر إلى مفهوم الاتّصالات المؤسّسيّة كمركز خدمة محتمل لصناعة الإعلام كخيار.

هذا ويمكن أن يكون لانهيار عائدات الإعلانات في وسائل الإعلام التّقليديّة عواقب وخيمة على فِرَق التّحرير. وفيما يلي بعض التّأثيرات والتّدابير المحتملة:

التّأثيرات على فِرَق التّحرير:

  1. تخفيض عدد الموظّفين: أحد ردود الفعل الأكثر شيوعاً لانخفاض الإيرادات هو تقليل تكاليف الموظّفين، الأمر الذي يؤدّي غالباً إلى الاستغناء عن العمالة أو عدم تجديد العقود.

 

  1. فقدان الجّودة: يمكن أن يؤدّي تخفيض عدد الموظّفين إلى فقدان التّنوّع الصّحفي والجّودة، حيث يتوفّر عدد أقلّ من الموارد للبحث والصّحافة الشّاملة.

 

  1. تقليل المواضيع: قد تضطّر فرق التّحرير إلى التّركيز على مواضيع معيّنة أكثر فعّاليّة من حيث التّكلفة، ممّا قد يؤدّي إلى نقص التّنوع في محتواها. كما يصبح من الصّعب الحفاظ على وضع جدول أعمال فعّال.

 

  1. تعليق التّدريب والتّعليم الإضافي: يمكن أن يؤدّي نقص الموارد الماليّة إلى تعليق تدريب العاملين في مجال الإعلام، ممّا قد يؤثّر على قدرة فِرَق التّحرير على التّكيّف وقدرتها على الاستفادة من التّقنيّات الجّديدة ومنصّات الويب.

 

التّدابير الّتي يمكن أن تتّخذها مكاتب التّحرير:

  1. تنويع مصادر الإيرادات: يمكن لفرق التّحرير محاولة تقليل اعتمادها على عائدات الإعلانات من خلال توسيع مصادر الدّخل البديلة مثل نظام حظر الاشتراك غير المدفوع أو الفعاليّات أو التّجارة أو التّبرعات.

 

  1. التّعاون والشّراكات: يمكن لمكاتب التّحرير الدّخول في تعاون مع شركات أو مؤسّسات إعلاميّة أخرى من أجل مشاركة الموارد وخفض التّكاليف.

 

  1. زيادة الكفاءة من خلال التّكنولوجيا: يمكن أن يساعد الاستثمار في عمليات وتقنيّات عمل أكثر كفاءة في تقليل التّكاليف. كما يمكن للأتمتة والذّكاء الاصطناعي تولّي المهام المتكرّرة ومنح العاملين في مجال الإعلام مزيداً من الوقت للقيام بأعمال المحتوى المطلوبة.

 

  1. مشاركة المجتمع: يمكن لفرق التّحرير إشراك القرّاء بشكل أوثق لتلقّي الدّعم والاستجابة. كما يمكن للمواضيع والمحتوى، بما في ذلك المساهمات التّحريريّة أن تأتي من مجتمع مشارك. وينطبق هذا بشكلٍ خاص على وسائلِ الإعلام المتخصّصة وذات الاهتمامات الخاصّة، حيث يمكن لمجتمع الخبراء المساهمة بمحتوى قيّم.

 

  1. التّدريب والتّعليم الإضافي: يمكّن الاستثمار في تعليم وتدريب العاملين في مجال الإعلام من تحديث مهاراتهم والتّكيف مع التّقنيّات الجّديدة، لا سيّما في مجال الذّكاء الاصطناعي وصحافة البيانات.

 

ومن المهمّ أن نلاحظ أن التّدابير المحدّدة تعتمد بشكل كبير على الظّروف الفرديّة واستراتيجيّة كل مؤسّسة إعلاميّة. كما تتطلّب التّحديّات الّتي يفرضها انخفاض عائدات الإعلانات بشكل عام، اتّباع نهج شامل واستراتيجيّ من جانب شركات الإعلام.

فرصة للاتّصالات المؤسّسية

هناك حاجة إلى اتّخاذ إجراءات في مكاتب التّحرير تكاد توصف بالمفرّغة. حيث يجب على متخصّصي الاتّصالات المؤسّسيّة (سواء كانوا مدمجين في الشّركات أو الوكالات) الاستفادة من هذا الوضع. كما أنَّ هناك فرصة لتوسيع الشّراكات القائمة مع شركات الإعلام ودعمها كنوع من مراكز الخدمة من أجل سدّ أي فجوات قد تكون لديهم في المجال الصّحفي.

ومن الأمثلة على الخدمات المحدّدة ما يلي:

  1. دعم الأبحاث: غالباً ما تشتمل الاتّصالات المؤسّسيّة على قواعد بيانات واسعة ومعرفة صناعيّة وشبكات خبراء، يمكن لما سبق دعم شركات الإعلام في البحث عن المعلومات الأساسيّة والإحصاءات والتّحليلات لضمان تقديم تقارير عالية الجودة.

 

  1. توفير الخبراء: عادةً ما يكون لدى الشّركات شبكة من الخبراء المعترف بهم في مجالات مختلفة. حيث يمكنها إتاحة هؤلاء الخبراء لإجراء المقابلات أو المناقشات الأساسيّة أو مساهمات الضيوف من أجل تحسين جودة الصّحافة وعمقها.

 

  1. أفكار المحتوى ووضع جدول الأعمال: لا تستطيع الاتّصالات المؤسّسية تزويد العاملين في مجال الإعلام بإصدارات إعلاميّة معدّة صحفيّاً وجاهزة للطّباعة فحسب، بل يمكنها أيضاً تقديم مجموعة واسعة من أفكار المحتوى وبالتّالي دعم فرق التّحرير في تشكيل أجندتهم الصّحفيّة الخاصّة. وهذا يسهّل عمل فرق التّحرير ويمكّن الشّركات من وضع رسائلها بطريقة جذّابة من النّاحية الصّحفيّة.

 

  1. محتوى الوسائط المتعدّدة: غالباً ما تنتج اتّصالات الشّركات محتوى وسائط متعدّدة عالي الجّودة مثل مقاطع الفيديو أو الرّسوم البيانيّة أو الصّور. حيث يمكن إتاحة هذا المحتوى لشركات الإعلام كمواد خام بدون شعار لتحسين مساهماتها التّحريريّة بشكلٍ مرئي.

 

  1. الفعّاليّات والإحاطات الإعلاميّة الأساسيّة: تنظّم الشّركات فعالياتها أو مؤتمراتها أو ندواتها عبر الإنترنت حول الموضوعات ذات الصلة. كما يمكن للمؤسّسات الإعلاميّة الاستفادة من الدّعوات لحضور مثل هذه الفعّاليّات والإحاطات الحصرية لاكتساب رؤىً أعمق حول القضايا المعقّدة.

إحدى المزايا الواضحة لمثل هذا التّعاون هي تمكّن شركات الإعلام من الوصول إلى موارد إضافيّة دون زيادة تكاليفها الخاصّة. كما يمكن للشّركات في المقابل وضع رسائلها بسهولة أكبر والحصول على إمكانيّة الوصول المباشر إلى القنوات الإعلاميّة. وفي حال تمّ تطوير هذا التّعاون بالوعي اللّازم، فسيكون لديه القدرة على التّعبير عن التّضامن وإظهار الدّعم وبناء الصّداقات. كل هذا يؤدّي إلى تعزيز الثّقة المتبادلة، الّتي تُعدّ أهمّ أصول التّواصل بين الشّركات. وقد يؤدّي هذا إلى وضع مربح للجّانبين يستفيد فيه الطّرفان من بعضهما البعض.

لا تهمل المخاطر

على أيّةِ حال، ينطوي هذا النّهج على مخاطر أيضاً. حيث يمكن لوسائل الإعلام الّتي تعتمد بشكل متزايد على اتّصالات الشّركات أن تعرّض استقلالها التّحريري للخطر. ويكمن الخطر هنا في تأثّر القرارات التّحريريّة بشكل متزايد بالمصالح اللّوجستيّة والاقتصاديّة والموجّهة نحو الكفاءة بدلاً من النّزاهة الصّحفيّة. وهذا قد يؤدّي إلى فقدان المصداقيّة والثّقة بين القرّاء.

ومن العيوب المحتملة الأخرى اعتماد دوُر الإعلام على مصادر خارجيّة. فإذا اعتمدوا بشكل متزايد على الاتّصالات المؤسّسيّة كمورد، سيمكنهم تقليل خدماتهم الصحفيّة بشكل أكبر، حيث يوفّر المصدر الخارجي  معلومات جاهزة بالفعل. وبدلاً من استخدام الصّحفيّين العاملين بالفعل لإجراء أبحاث إضافيّة وعالية الجودة، سيتمّ إلغاء هذه الوظائف. ويمكن أن يؤدّي هذا إلى فقدان الجّودة ومحدوديّة التّنوّع في الكتابة.

ومع ذلك، هناك أيضاً خطر أن تصبح اتّصالات الشّركات مجرّد طاولة عمل ممتدّة لشركات الإعلام من خلال تقديم الخدمات الصّحفيّة. وهذا لن يكون ضارّاً من حيث المحتوى فحسب، بل سيُضعف أيضاً وبشكل كبير عمليّة إنشاء القيمة. وهنا نذكر أهمّ المخاطر الّتي تواجه الاتّصالات المؤسّسيّة:

  1. خطر التّبعيّة: يمكن أن تؤدّي العلاقة الوثيقة مع شركات الإعلام إلى اعتماد اتّصالات الشّركات بشكل كبير على القرارات الاستراتيجيّة والتّقلّبات الاقتصاديّة لشركات الإعلام هذه.

 

  1. قيمة مضافة أقل: عادةً ما يكون للعمل الصحفيّ الروتينيّ البسيط قيمة مضافة أقل. كما يجب أيضاً استخدام الموظّفين المؤهّلين في المهام الأكثر تطلّباً، سواء في وكالة أو قسم الاتّصالات المؤسّسيّة.

 

  1. الموضع غير الصحيح: هناك خطر من أن يُنظر إلى الاتّصالات المؤسّسيّة على أنها "مكتب صحفي" خالص له خط مباشر مع مكاتب التّحرير الفرديّة. كما يمكن التّشكيك في الاستقلال فيما يتعلّق بالاختيار الانتقائي لقنوات وسائل الإعلام المكتسبة. وقد لا يتمّ الاعتراف بشكل خاطئ بالإمكانات الاستراتيجيّة لإدارة الاتّصالات المتكاملة في مجال الاتّصالات المؤسّسيّة.

 

ولهذا السّبب يجب على الاتّصالات المؤسّسيّة أن تزن بعناية مدى اعتمادها على وسائل الإعلام. ومن المهمّ اتّباع استراتيجيّة متوازنة لا تعتمد على التّعاون مع وسائل الإعلام فحسب، بل تعتمد أيضاً على إنشاء خدمات اتّصالات استراتيجيّة قيّمة، علاوة على العمل الإعلامي البحت. ويجب أن يكون هذا مستقلّاً وقويّاً بحيث لا يُنظر إليه على أنّه عامل تكلفة فحسب، بل كمساهمة مهمّة في سمعة الشّركة وعلامتها التّجاريّة على المدى الطويل.

وبشكل عام، من الواضح أن فكرة تقديم الاتّصالات المؤسّسيّة كمركز خدمة لشركات الإعلام تنطوي على فرص ومخاطر بنفس القدر. حيث يلزم النّظر بعناية في المصالح والتّعريف الواضح للحدود لضمان الحفاظ على استقلاليّة الصّحافة وجودتها. كما لا يمكن الحفاظ على مشهد إعلاميّ مستدام وجدير بالثّقة إلّا من خلال شراكة متوازنة، يتمّ دعمه بشكل مثاليّ بالشّراكة مع الاتّصالات المؤسّسيّة - لتأمين المستقبل لكلا الشّريكين.

 

المؤلف ماركوس بِرغر Markus Berger

ماركوس بِرغر، رئيس الاتّصالات المؤسّسيّة، هيئة السّياحة السويسريّة.

 

https://www.ipra.org/news/itle/itl-559-corporate-communications-as-a-service-centre-for-the-media-industry-a-double-edged-sword/

 

 

ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد

 

تحذير واجب.

 
لا يحق نشر أي جزء من منشورات ميديا & PR، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله على أي نحو، سواء إلكترونياً أو ميكانيكياً أو خلاف ذلك دون الاشارة الى المصدر، تحت طائلة المساءلة القانونية
 

يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:

info@ipra-ar.org

 


تابعنا :