لولبيّة الذّكاء الاصطناعي: التّميّز الإبداعي يولد في عالمنا التّناظري



من خلال تجربتي في مجال العلاقات العامّة، أدركت أنّ مجرّد تقدير الإبداع لا يكفي لتحقيقه. فالإبداع ليس سمة سلبيّة تزدهر بمجرّد وجودها في أوراق اعتمادك، كما تفعل معظم الشّركات، بل هو قوّة نابضة بالحياة، قوّةٌ متطلّبة تتطلّب رعاية من خلال العمل المباشر، والعلاقات مع العملاء، والهيكلة التّنظيميّة المتعمّدة، والّتي تتحقق من النّاحية التّشغيليّة أكثر من الموهبة الإبداعيّة الفرديّة. فأنا أعتقد أنّ الجّميع مبدعون بطبيعتهم على أيّ حال.

هنا حيث تساهم علاقات العملاء في النّجاح الإبداعي

دعونا نبدأ بما نفهمه جميعاً عن مجال عملنا وعلاقاتنا مع العملاء. حيث لا تنشأ الحملات الأكثر ابتكاراً من التّفاعلات المتوتّرة والتّعاقديّة الصارمة الّتي تحدث في ظلّ ديناميكيّة عالية الضّغط، وشديدة التّركيز على مؤشّرات الأداء الرّئيسيّة. فهي تأتي بالكامل تقريبًا من العلاقات الّتي يسودها الحوار المفتوح والاحترام المتبادل والرّؤية المشتركة. فقد لاحظت أنّه عندما تعمل وكالات العلاقات العامّة والعملاء من معسكرين بدلاً من معسكر واحد، يتمّ خنق الشّرارة الإبداعيّة أو القضاء عليها تماماً.

وفي المقابل، فإن الشّراكات الّتي يشارك فيها العميل في وقت مبكّر، حيث يكون هناك حوار بدلاً من المناجاة (من كلا الجانبين!)، تؤدّي إلى عملٍ رائد. وهنا يتعلّق الأمر بالوصول إلى ما هو أبعد من الموجز، وإشراك العملاء في عمليّة العصف الذّهني، وضمان مساهمة رؤاهم في الرّحلة الإبداعيّة. بالإضافة إلى وجوب إعطاء العملاء ما يريدونه، قبل أن يتمّ إعطاؤهم ما "يحتاجونه"، والّذي غالباً ما يمليه عليهم المخرج أو الفريق الإبداعي (وغالباً ما يكون غير ناجح).

هناك قيمةٌ لا تقدّر بثمن في التّبادلات والمحادثات غير الرّسميّة، وأحياناً حتّى في مشاركة مشروب أو اثنين مع العميل، لاكتشاف شذرات ثمينة من الفرص الإبداعيّة الّتي غالباً ما تدفنها الإعدادات الرّسمية. وأنا متأكّد من شيءٍ واحد: الإبداع لا يحدث في غرفة الاجتماعات.

 

إذا كان الإبداع هو الين، فالملل هو اليانغ

ننتقل إلى المحور الثّاني من فرضيتي: العمليّات والموارد. فالإبداع يزدهر في الوكالات الّتي يكون الإبداع فيها منسوجاً في نسيج الثّقافة وليس مجرّد بندٍ في بيان المهمّة أو لوحة جائزة مغبرّة على الحائط. فهو موجود في الإجراءات والقرارات والاتّصالات اليوميّة داخل الوكالة. بدءاً من التصميم الماديّ للمكتب الّذي يعزّز لقاءات الصدفة وتبادل الأفكار، وصولاً إلى التّشجيع المنهجيّ للتّعاون بين الأقسام، حيث يمكن لكلّ عنصرٍ من عناصر المنظّمة أن يعمل لصالح الإبداع وضدّه. وعندما يتم تبسيط العمليّات الإداريّة، فإنّ ذلك يسمح بتوفير الطّاقة الذّهنيّة واستثمارها في مكانٍ آخر.

كما تُعتبر ممارسات التّوظيف، حسب خبرتي، واحدةً من أكثر الفرص الّتي يتمّ تجاهلها لتحقيق التّميّز الإبداعي. وأنا لا أقصد توظيف أشخاصٍ جيّدين، بل أقصد توظيف أشخاصٍ مختلفين. فالتّمييز على أساس العمر هو مصدر قلق كبير بالنّسبة لي فيما يخصّ مستقبل صناعتنا. فليس كل مستهلك هو شابٌّ محترفٌ من الجيل Z لديه القليل من الدّخل الإضافي. كما إنّ إحدى أكبر الفئات السّكانيّة الّتي تنفق أكثر من 50 عاماً و/أو المتقاعدين من ذوي الدّخل المزدوج، ومع ذلك لم أرَ شركة علاقات عامّة واحدة تكون فيها هذه المجموعة ممثّلة بشكلٍ جيّد (إن كانت ممثّلةً أصلاً) في التّفكير والاستراتيجيّة. فعندما تفوتك وجهات النّظر، يمكن أن تفوتك العلامة تماماً - ومن هنا تأتي القيمة الكبيرة لوجود ممارس علاقات عامّة في الغرفة.

إن التّنوّع والشّمول، عندما يتمّ تجريدهما من الوصمة السّياسيّة، هما بلا جدال الطّريقة الوحيدة الّتي يمكنك من خلالها بناء فريق عمل أكثر ملاءمة لمعالجة مجموعةٍ واسعة من الموجزات والصّناعات والجّماهير والتّحدّيات وغيرها من الأمور الّتي تأتي عبر الباب الأمامي لوكالة تريد أن تكون ذات قيمة. العمر، والدّخل، والعرق، والجنس، والدّين، والخلفيّة، والحجم، والشّكل، وما إلى ذلك. - غالباً ما يخطئ النّاس في فهم "التّنوّع" على أنّه يتعلق بالانتماء العرقيّ في المقام الأول.

 

إذاً، أنا لا أحتاج إلى فريق إبداعي؟

لا أريد التّقليل من أهميّة وجود فريق إبداعيٍّ متخصّص. ففي الوكالات عالية الأداء الّتي عملت معها، كان الفريق الإبداعي في الوكالات عالية الأداء الّتي عملت معها كبيراً، وليس مجرّد قسمٍ هامشيٍّ يساعدنا في تجميع بعض المنشورات على إنستغرام. فالبيئة الّتي بنيتها بنفسي هي البيئة الّتي يكون فيها الإبداع عمليّة وليس شخصاً، حيث كانت الأفكار والأبحاث هي أساس العمليّة نفسها وبدايتها. فالفكرة بلا بصيرة  كالسّفينة بلا دفّة – مقدّرٌ لها أن تطفو بلا هدف أو اتّجاه. والاستراتيجية الّتي تأخذ بعين الاعتبار الأشخاص الموجودين على الجانب الآخر من العمل هي واحدةٌ من أعظم نقاط قوّة العلاقات العامّة في مواجهة المتاجر الإبداعيّة والتّسويقيّة والإعلانيّة.

إنّ تطوير الإبداع داخل الوكالة متعدّد الأوجه. فالأمر يتعلّق بتنمية جوٍّ يكافَأ فيه الفضول، وتكون فيه المعرفة بمثابة عملةٍ لها مكان يمكن إنفاقها فيه (من قبل أي شخص). لقد شجّعتُ فريقي على مشاركة الاكتشافات المثيرة للاهتمام، والمشاركة في الجّلسات الّتي توسّع نطاق تفكيرهم، والنّظر إلى الأعمال السّابقة، ليس كقائمةٍ لما تمَّ إنجازه، ولكن كنقطة انطلاق لأفكارٍ جديدة. لقد قمنا بتوظيف صحفيّين وفنّانين وماجستير في إدارة الأعمال للعمل جنباً إلى جنب مع خبراء العلاقات العامّة التّقليديّين من 12 جنسيّة مختلفة، وسبعة أديان مخلفة، ومجموعةٍ من الأعمار والأجناس. هذا المزيج من وجهات النّظر هو ما شهدتُه يشعل شرارة الابتكار الحقيقي - وقد تمّ اقتراح بعض أفضل أعمالنا من قبل أشخاص في الشّركة لم يكونوا ضمن الفريق الإبداعيّ على الإطلاق.

ولكن ماذا عن الاعتراف بالإبداع ومكافأته؟ لقد حرصت على الاحتفال بالنّجاح الإبداعي بجميع أشكاله، وليس فقط الحملات الإعلانية رفيعة المستوى. لقد رأيت التّأثير الإيجابي الناتج عن تقدير المدير التّنفيذي المبتدئ الّذي طرح السّؤال الصّحيح الّذي أدى إلى محور صغير ولكنه مهم مكّن من رواية قصّةٍ أفضل. إنّ مثل هذا الاعتراف يغذّي ثقافة يكون فيها الإبداع شأن الجميع، وليس فقط من اختصاص "المبدعين" الّذين يساعدون في تحقيقه.

إنّ التّعاون (بين الفريق والعملاء) والتّنوّع هما المحرّكان التوأم للإبداع، مدعومين ببيئة عمل تعتمد على العمليّات الّتي تركّز الطّاقة الذّهنيّة. فالبيئة التّعاونيّة الحقيقيّة تعني تسطيح التّسلسلات الهرميّة عند الضّرورة. كما يمكن أن تأتي أفضل فكرة من المتدرّب أو الرّئيس التّنفيذي - لا يهم. ما يهمّ هو كيفيّة التّعامل مع هذه الأفكار وتطويرها وصقلها من قِبَل الفريق.

 

كلمات ختاميّة

في الختام، لا يمكن لأيّ شركة علاقات عامّة أن تكتفي بتقدير الإبداع، بل يجب أن تعزّزه بنشاط من خلال الطّريقة الّتي تتعامل بها مع علاقاتها مع العملاء، وتنظّم عمليّاتها وتدمجها، وتلتزم بمواردها، وتدعم التّنوّع إلى جانب ثقافتها. هذه هي مكونات المؤسّسة الإبداعيّة الحقيقيّة، وقد كانت حجر الزّاوية في مقاربتي لحلول العلاقات العامّة للمؤسّسات. حيث تعمل سقالات الإبداع على إنشاء نظامٍ بيئي يشعر فيه كلّ فرد بالقدرة على المساهمة في الخطاب الإبداعي.

في النّهاية، لا يتعلّق الإبداع فقط بما نقوم به؛ بل يتعلّق بكيفيّة تفكيرنا وتفاعلنا مع بعضنا البعض ومع عملائنا. إنّه يتعلّق ببناء بيئة لا يكون فيها الإبداع مجرّد كلام أو سطر في وثيقة اعتماد - بل هو طريقة لتنظيم العمل وربط طريقة تنظيمه بشكلٍ هادف مع روحه المعلَنة.

يجب أن يعكس هيكل المؤسّسة تفانيها في الابتكار الإبداعي. فالمؤسّسات الّتي تتمتّع بمؤشّر إبداعي أعلى هي عادةً تلك التي تدمج الإبداع في جدرانها ومكاتبها وعملياتها - حيث لا يتمّ تحديد الأدوار من خلال الألقاب فقط، بل من خلال رؤية إبداعيّة مشتركة وعمليّة يمكن لأيّ شخص فهمها والانضمام إليها.

المؤلف بول أنتوني لارمون Paul Anthony Larmon

المدير العام لشركة ERA للاتّصالات. الحائزة على الرقم 3 لعام 2022 في منطقة آسيا والمحيط الهادئ على مؤشّر الإبداع العالمي لشركة PRovoke؛ 2x شركة استشارات العلاقات العامّة الإبداعيّة للعام في منطقة آسيا والمحيط الهادئ؛ 2x شركة فائزة بجائزة SABRE العالميّة لعام 2018، 2021؛ 2022 - الشّركة الأولى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من حيث إجمالي عدد مرات الفوز بجائزة SABRE.

 

https://www.ipra.org/news/itle/itl-563-screw-ai-creative-excellence-is-born-in-our-analog-world/

 

ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد 

 

تحذير واجب.

 
لا يحق نشر أي جزء من منشورات ميديا & PR، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله على أي نحو، سواء إلكترونياً أو ميكانيكياً أو خلاف ذلك دون الاشارة الى المصدر، تحت طائلة المساءلة القانونية
 

يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:

info@ipra-ar.org

 

 


تابعنا :