ابحث في الدّاخل عن الإجابات: الصّلة المتنامية بين السّمعة والثّقافة



يقوم الموظّفون باتّباع استراتيجيّة جلب الخارج إلى الدّاخل، والّتي من الممكن أن تكون بمثابة إشارة إنذار مبكّر للمشاكل النّاشئة. بقلم أنجيلا سكافيدي

 Angela Scaffidi

 

 'تراقب استراتيجية "جلب الخارج إلى الداخل" السّوق، وتتعرّف على  احتياجات العملاء الكامنة أو الخفيّة وتترجمها إلى حلول تخدمهم. إنّها تركّز على المشاركة في خلق القيمة مع العملاء وتفكّر في تقديم ما يحتاجونه حقّاً.

مع استراتيجيّة "من الخارج إلى الدّاخل"، تلاحظ وتراقب أوّلاً ما يريده العميل، ثم تجد الحلّ وتقدّمه. 

 أمّا في استراتيجيّة "من الدّاخل إلى الخارج"، فإنّك تقوم أوّلاً بتطوير المنتج أو الخدمة، ثم تخلق الرّغبة في ذلك لدى العملاء.'

يتحدّث الخبير العالمي توني لانغام عن كون السّمعة مسألة حقيقيّة وغير حقيقيّة في نفس الوقت. فالأمر يتعلّق بما تقوم به المؤسّسة ومدى جودة ما تقوم به. وهو يعتقد أنّ "الطّريقة الوحيدة لتحظى بسمعة عظيمة هي أن يكون لديك مؤسّسة عظيمة". كما أنّه يعرّف سمعتك بأنّها ما يقوله الآخرون عنك - وكيف ينظر النّاس إلى مؤسّستك ويختبروها.

فنحن جميعاً نعلم أنّ السّمعة ليست ثابتة. وغالباً ما نرى السّرعة الّتي يمكن أن تنفجر بها مشكلة ما وتؤثّر سلباً على سمعة المؤسّسة. حيث يمكن أن تتحوّل المشكلات المحلّية إلى مشكلات وطنيّة أو حتّى عالميّة في غضون دقائق. ويمكن أن تتسبّب عبارة خاطئة أو مضلّلة في إحداث ضررٍ لا يمكن إصلاحه.

إنّ أهمّ مكان للبدء في حماية وتعزيز سمعتك هو الالتفات إلى موظّفيك.

إنّه الشّيء الصّحيح الّذي يجب عليك القيام به بل أكثر من ذلك بكثير. فموظّفوك يجلبون الخارج إلى الدّاخل وهي استراتيجيّة تنظر إلى احتياجات العملاء الكامنة أو الخفيّة وتترجمها إلى حلول تخدمهم - فهم يشاركون الاتّجاهات والمخاوف والأسئلة المهمّة. يمكنهم أن يكونوا بمثابة إشارة إنذار مبكّر للقضايا النّاشئة. وغالباً ما يكون هؤلاء الأشخاص ممّن يمارسون أعمالاً متعدّدة، يمكن أن تشمل كونهم عملاء أو أعضاء في قطاع أو صناعة معيّنة أو سكان مجتمعات محلّية. نحن نعلم أنّ العديد من المشاكل والأزمات المتعلّقة بالسّمعة، إن لم يكن معظمها، هي نتيجة لبعض المشاكل الثّقافيّة. ولهذا السّبب فإنّ الاستماع إليهم لا يقلّ أهميّة عن الاستماع إلى مؤسّستهم وقادتها.

إنّهم يبنون علاقاتٍ مع أصحاب المصلحة. ويحوّلون مفهوم إشراك الأطراف المعنيّة إلى شراكاتٍ وعلاقات تعاونٍ قويّة تساعد المؤسّسة في كثير من الأحيان على حلّ مشاكلها الأكثر تعقيداً وعلى تحقيق النّمو.

كما إنّهم يعملون كسفراء لصالح صاحب العمل أو ضدّه من خلال الطّرق العديدة الّتي يتفاعلون بها مع النّاس خارج نطاق عملهم، ومنها وسائل التّواصل الاجتماعي. فهم قادرون على بناء الثّقة، محادثة واحدة وتفاعل واحد في كلّ مرة. يمكن أن يكون الموظّفون هم الصّوت الأكثر مصداقيّة للمؤسّسة، ولكن يمكن أن يكون ذلك بالتّأكيد في كلا الاتّجاهين.

 

الأفعال الّتي تتطابق مع الأقوال

ما الّذي يتوقّعه الموظّفون من المؤسّسة الّتي يعملون بها؟ لقد نُشرت الكثير من المنشورات حول أهميّة وجود هدفٍ مقنع، ووجود أولويّاتٍ واضحة، وأفعالٍ تتطابق مع الكلمات الّتي يتداولها القادة والمدراء.

فما هي العناصر الّتي تحفّز الموظّفين على الانخراط مع مؤسّستهم والدّفاع عنها؟ وما هي عناصر الثّقافة الّتي تعزّز السّمعة الطيّبة؟ إنّها تشمل الاحترام، بالإضافة إلى قصّة منطقيّة ومحفّزة، وقيادة متّسقة (لكن بدون نجوميّة). لا يتعلّق الأمر بالأعمال الكبيرة فقط، بل بالأعمال اليوميّة الصّغيرة الّتي تشكّل جميعها ثقافةً عظيمة، ثقافةً يرغب فيها الموظّفون في دعم صاحب العمل وحماية سمعته.

لنبدأ بالاحترام الحقيقي للموظّفين، الّذي يتحدّد جزئيّاً من خلال أنواع المحادثات الّتي تجرى على طاولة القيادة. فقد تحدّث أحد عملائنا مؤخّراً عن أهميّة العمل بفعّاليّة مع النّقابات في قضايا العلاقات الصّناعيّة لأنّ "النّقابات مهتمة بسلامة موظّفينا مثلنا تماماً". وقد عزّز ذلك وجهة نظرنا حول احترامهم واهتمامهم بموظّفيهم.

كما يختبر الموظّفون هذا الاحترام من خلال عروض القيمة للموظّفين والطّريقة الّتي يبذل بها صاحب العمل جهداً إضافيّاً من أجلهم. حيث يشعرون بشكلٍ خاص بالاحترام (أو عدمه) خلال فترات التّغيير.

كما يجب على المؤسّسات أن توفّق باستمرار بين الحفاظ على النّظام و "إبقاء الأبواب مفتوحة" مع تطوير ما تقوم به والكيفيّة الّتي تعمل بها. وبذلك لا يمكن لأيّ مؤسّسة أن تتخلّف عن الرّكب.

إنّ قصّة التّغيير مهمّة، ولكنّنا في بعض الأحيان نكون مضلّلين في جهودنا. كما إنّ تأطير "المنصّة المحترقة" غالباً ما يضرّ في كثير من الأحيان أكثر ممّا ينفع. تشيب هيث Chip Heath، المؤلّف المشارك لكتاب "التّحويل والتّبديل: كيف تغيّر الأشياء عندما يكون التّغيير صعباً"، يقول: إنّ "الخوف، كعاطفة يؤدّي إلى رؤية ضيّقة... إنّ الخوف هو أسوأ محفّز". فالخوف لا يجدي نفعاً. بل يمكن أن يؤدّي في الواقع إلى ترسيخ التّفكير القديم والطّرق القديمة للقيام بالأشياء.

'أتى مصطلح "المنصّة المحترقة" من صناعة النّفط. في الأيّام الأولى للحفر البحري، فغالباً ما كانت المنصّات تُبنى فوق الآبار الّتي كانت مشتعلةً بالفعل. وكان على العمّال التّعامل مع ألسنة اللّهب أثناء عملهم، وكان الخطر قائماً دائماً من احتمال انهيار المنصّة في البحر. يكتسب مفهوم المنصّة المحترقة شعبيّة كبيرة في عالم الأعمال التّجاريّة، ولكنّه يمكن أن ينطبق أيضاً على مجالات الحياة الأخرى. وقد تمّ اعتماده من قبل كتّاب الأعمال والاستشاريّين لوصف حالةٍ تواجه فيها الشّركة خطراً شديداً وتحدّياتٍ كبيرة تهدّد وجودها، وتحتاج فيها إلى اتّخاذ إجراءاتٍ صارمةٍ وجذريّة من أجل البقاء والصّمود. قد يكون اتّخاذ مثل هذه الإجراءات الجذريّة صعباً ومحفوفاً بالمخاطر، ولكنّه السّبيل الوحيد أمام الشّركة لتجنّب الانقراض. استُخدم  مفهوم المنصّة المحترقة كوسيلةٍ فعّالة لتحفيز الموظّفين وأصحاب المصلحة على إجراء تغييرٍ حقيقي. فهو يشير إلى فكرة أنّه "إذا لم تفعل شيئاً ما على الفور، فإنّ كلّ شيءٍ سيحترق".'

 

 التّحكّم والاختيار

من المفيد وجود طريقٍ واضحٍ للتّحرّك إلى الأمام مع وجود أساسٍ منطقيٍّ للتّغيير، ولكن ما يريده الموظّفون حقّاً هو التّحكّم والاختيار. فهم يريدون الاحتفاظ بطرق التّفكير والعمل الّتي خدمتهم وخدمت المؤسّسة بشكلٍ جيد. إذا لم تعد بعض هذه الطّرق ذات صلة، فعليهم أن يكتشفوا ذلك بأنفسهم. قد تكون المحادثات الموجّهة مفيدة، ولكن إخبار النّاس لا يجدي نفعاً. إذ يرغب النّاس في الحصول على خيارات، حتّى الخيارات الّتي قد يُنظر إليها على أنّها صغيرة في مخطّط الأشياء. كهيكليّة اجتماعاتهم الدّائمة على سبيل المثال، أو توقيت تغيير موقعهم أو فريقهم.

 

القيادة مهمّة أيضاً، ولكن بصفتها محرّكاً وعاملاً مساعداً أكثر من كونها اللّاعب الرّئيسي. فالقادة العظماء يستمعون إلى موظّفيهم ويتفاعلون معهم. فهم يتحدّثون عن الأمور الّتي تهمّ المؤسّسة حقّاً، مثل السّلامة والتّركيز على العملاء والابتكار والثّقافة. وهم يتشاركون السّلطة.

وللأسف ينسى بعض القادة النّجوم أنّ ثقافة المؤسّسة قد تشكّلت قبل وصولهم وستستمر لفترة طويلة بعد رحيلهم. فهم يرون أنفسهم في المركز، الأمر الّذي لا يمكن أن يؤدّي إلّا إلى زيادة إحباط النّاس وسخريتهم عندما ينظرون إلى أعلى طبقات مؤسّستهم.

 

تحدّث سام بالميسانو Sam Palmisano، الرّئيس التّنفيذي السّابق لشركة IBM، عن قوّة تمكين الموظّفين من مشاركة آلامهم وخوفهم وإحباطاتهم كجزء من تمرين "مربّى القيم". وكما قال في وقت لاحق في مجلّة هارفارد بيزنس ريفيو: "كان عليك أن تضع غرورك جانباً - وهو أمر ليس من السّهل على الرّئيس التّنفيذي القيام به - وتدرك أنّ هذا كان أفضل شيء يمكن أن يحدث. يمكنك أن تقول: "يا إلهي، لقد أطلقت العنان لهذه الطّاقة السّلبية المذهلة". أو يمكنك أن تقول: "يا إلهي، لديّ الآن هذا التّفويض المذهل لإجراء المزيد من التّغيير في الشّركة".

' "مربّى القيم" هي أداة ممتعة ومؤثّرة لأولئك الّذين يرغبون في: توسيع فهمهم لـ "الذّات" و"الآخر"؛ وبناء الجّسور وزيادة التّعاون؛ واستكشاف قيمهم الشّخصية وقيم الشّركة؛ وتعميق العلاقات. إنّها طريقة رائعة للموظّفين للشّعور بالانتماء للمؤسّسة بأكملها والتّواصل مع بعضهم البعض، بغضّ النّظر عن الموقع الجّغرافي.'

'IBM شركة إنترناشيونال بيزنس ماشينز كوربوريشن هي شركة تكنولوجيا أمريكيّة متعدّدة الجنسيّات تصنع وتبيع البرمجيّات وأجهزة الكمبيوتر وخدمات البنية التّحتيّة والخدمات الاستشاريّة.'

 

المؤلف أنجيلا سكافيدي Angela Scaffidi

الشريك الإداري في مجلس الشيوخ SHJ.

 

 

https://www.ipra.org/news/itle/itl-569-look-inside-for-the-answers-the-growing-link-between-reputation-and-culture/

 

ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد

 

تحذير واجب.

 
لا يحق نشر أي جزء من منشورات ميديا & PR، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله على أي نحو، سواء إلكترونياً أو ميكانيكياً أو خلاف ذلك دون الاشارة الى المصدر، تحت طائلة المساءلة القانونية
 

يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:

info@ipra-ar.org

 

 


تابعنا :