أبطال الحقيقة: بناء المهارات اللازمة لمعالجة المعلومات المضللة
لا ترتبط العلاقات العامة عموماً بقول الحقيقة، فأنا أعترف بأنني شاركت سابقاً في حصتي العادلة من اللف والدوران. ولكن مع تفشي المعلومات المضللة عبر الإنترنت، وتسربها إلى وسائل الإعلام الرئيسية، ومساهمتها في تشكيل من يصوت له الناس ونوعية الأدوية التي يتناولونها، يمكن لفرق العلاقات العامة بل ويتعين عليها أن تصبح مناصرة للحقيقة. فنحن بحاجة إلى بناء المهارات اللازمة للتصدي للمعلومات المضللة، سواء كان ذلك لحماية صحة الناس، أو لمجرد الدفاع عن سمعة العميل التي اكتسبها بشق الأنفس.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، رأيت بنفسي كيف يمكن للجهات الفاعلة القوية سيئة النية أن تستخدم المعلومات المضللة لخنق صناعة ناشئة - وكيف يمكن التصدي لهذه الجهات من خلال العلاقات العامة.
ففي معهد الأغذية الجيدة في أوروبا، نعمل على بناء نظام غذائي أكثر استدامة وأماناً وعدلاً من خلال النهوض باللحوم النباتية والمزروعة. إذ يؤدي الإنتاج الحالي للحوم إلى تغير المناخ وتدمير البيئة وتحديات الصحة العامة وانعدام الأمن الغذائي. لكن الناس يحبون اللحوم - لذا، بدلاً من أن نطلب من الناس التخلي عن أطعمتهم المفضلة، نقوم بدعم البحوث وتغيير السياسات حتى يمكن إنتاج اللحوم بطرق أكثر استدامة.
"تستخدم اللحوم النباتية مكونات نباتية تتم معالجتها لتحاكي اللحوم. ومثلها مثل اللحوم الحيوانية، تتكون اللحوم النباتية من البروتين والدهون والفيتامينات والمعادن والماء.
اللحوم المستنبتة تحاكي العملية البيولوجية لنمو العضلات. حيث يتم إنتاج اللحوم المستنبتة عندما تؤخذ الخلايا من حيوان وتوضع في مفاعل حيوي لتكرارها."
إن القول بأن الناس يعشقون اللحوم هو تقليل من شأن ما نأكله. فما نأكله هو أمر شخصي للغاية، إنه يربطنا بتراثنا ويساعد على تحديد ثقافاتنا وبيئاتنا الطبيعية. وتقف وراء ذلك واحدة من أقوى الصناعات في أوروبا. لذا فإن مجرد الاقتراح بإمكانية وجود طريقة أفضل لصنع النقانق وشرائح اللحم، يمكن أن يؤدي إلى رد فعل عنيف.
وخلال السنوات الأخيرة، تعرضت اللحوم النباتية والمزروعة للتشهير وتشويه السمعة والتكهنات الغريبة والأكاذيب حول طرق الإنتاج، وتم ربطها زوراً بالسرطان وبنظريات المؤامرة مثل "إعادة الضبط الكبرى". حيث أدت حملة تضليل مدفوعة بالمعلومات المضللة من قبل مجموعة مزارعين قوية في إيطاليا، إلى حظر الحكومة للحوم المزروعة قبل أن تتقدم شركة واحدة بطلب لبيعها في أي مكان في أوروبا. مثل هذه الهجمات تهدد بإعاقة تقدم أوروبا في الحد من الانبعاثات المناخية، واستعادة بيئتنا، وحماية الصحة العامة.
تحقيق التوازن
بصفتنا منظمة غير ربحية صغيرة، لم نتمكن من وقف انتشار الأكاذيب، لكننا تمكنا من تحقيق التوازن في الحوار العام، وتعلمنا الكثير عن كيفية تطبيق مهارات العلاقات العامة لمكافحة المعلومات المضللة.
وكما هو الحال مع أي أزمة في مجال الاتصالات، كان من الضروري معرفة الوقت المناسب للتفاعل مع القصة من عدمه. فعندما نشرت منظمات مؤثرة مثل نقابات المزارعين، وأفراد ذوي مصداقية مثل الأطباء معلومات مضللة، قمنا باتخاذ بعض التدابير. ولكن عندما يأتي الادعاء الكاذب من مصدر غير موثوق به، مثل المتآمرين من اليمين المتطرف، وجدنا أنه من الأفضل لنا تجاهلهم.
ومع ذلك، كان من المهم مراقبة هذه المصادر، حيث لجأت مجموعات أكثر موثوقية في بعض الأحيان إلى استخدام نسخ مخفّفة من رسائلها. وبالفعل، كانت هناك أوقات كان من المفيد فيها الإشارة إلى أن المعلومات الخاطئة التي تمت مشاركتها من مصدر يبدو موثوقاً، قد تمت الإشارة إليها أيضاً كجزء من نظريات المؤامرة التي فقدت مصداقيتها.
ورغم أن الصمت قد يكون أفضل إجابة في بعض الأحيان، إلا أنه من الضروري تجنب حالة الفراغ المعلوماتي. فإذا بقيت الأسئلة الرئيسية حول موضوع ما دون إجابة (مثل "كيف تُصنع اللحوم المزروعة؟")، يمكن للمعلومات الخاطئة أن تشغل الفراغ بسهولة. ونحن محظوظون لأن اللحوم النباتية والمزروعة هي مفاهيم جديدة نسبياً بالنسبة لمعظم الناس - لذلك غالباً ما نكون أول من يشارك المعلومات عنها بلغة معينة. ولكن حتى لو كان موضوعك معروفاً للجميع، فلن يضر أن تكون شفافاً وتجعل الإجابات على الأسئلة الواضحة متاحة بسهولة.
نهج متحفظ
إذا ترسخت المعلومات المضللة بالفعل، فقد يكون من المغري أن تصرخ بالحقيقة بصوت عالٍ كما يصدح الآخرون بالكذب - لكننا وجدنا أن اتباع نهج أكثر تحفظاً يمكن أن يحقق نتائج فعالة. ويمكننا من خلال علاقاتنا مع الصحفيين والمؤثرين وصانعي السياسات، الحد من انتشار المعلومات المضللة على القنوات الرئيسية، وضمان مشاركة من يشغلون مناصب قيادية فكرية محتوى دقيق بدلاً مما يتم نشره.
وبغض النظر عن الجمهور، يعد تأطير هذه الحقائق بعناية أمراً ضرورياً لترسيخ الحقيقة. ومن المعروف جيداً الآن أن دحض الخرافات غالباً ما يكون غير فعال، لذا نركز على ما هو دقيق ونضعه في إطار يتناسب مع وجهات نظر الناس الحالية. فبدلاً من أن نقول أنّ "اللحوم النباتية ليست سيئة للمناخ"، على سبيل المثال، سنقول "اللحوم النباتية يمكن أن تقلل من الانبعاثات المناخية بنسبة تصل إلى 94%". وسنقوم بتصميم رسائلنا للاستفادة من قيم الجمهور المعني - وهو ما قد يعني بالنسبة للبعض التحدث عن الحاجة إلى حماية البيئة، بينما قد يكون الأمر بالنسبة للبعض الآخر يتعلق بدعم النمو الاقتصادي الأخضر. كما وجدنا أن تصميم المحتوى على هذا النحو يجعل الحقائق تلقى صدى أكبر بكثير.
وفي كثير من الأحيان، يتم ذكر المعلومات الخاطئة بعبارات بسيطة ومؤكدة، مثل "اللحوم المزروعة ضارة بالبيئة". أما الحقيقة غالباً ما تكون أكثر تعقيداً: حيث لا يوجد إنتاجٌ للّحوم المستنبتة على نطاق واسع حتى الآن، لذلك لا يمكننا أن نكون متأكدين من آثاره البيئية - ولكن معظم الأدبيات تشير إلى انخفاض كبير في نسبة الانبعاثات واستخدام الموارد مقارنة بإنتاج اللحوم اليوم.
قد يكون من المغري التغاضي عن هذه الفروق الدقيقة ومحاربة المعلومات المضللة باللف والدوران - سواء من خلال الرد على الادعاءات المبالغ فيها عن الطرف الآخر، أو رفض الاعتراف بأي ذرة من الحقيقة في تلك الأكاذيب. ولكن إذا أردنا الحفاظ على علاقات موثوقة مع قادة الفكر الذين يمكنهم مساعدتنا في نشر الحقائق، فمن المهم بناء سمعة طيبة من خلال التحلي بالصدق.
الحقيقة المبسطة يمكن أن تكون فعالة
صحيح أن الإفراط في التبسيط يشكل جزءاً ممّا يمنح المعلومات المضللة قوتها، فهو يسهّل على الناس تذكرها وتكريسها في رؤيتهم للعالم. ولكننا وجدنا أن الرد على الكذبة البسيطة بحقيقة دقيقة يمكن أن يكون فعالاً للغاية، ويساعد على الحد من حالة الاستقطاب. كما يساعد امتناعنا عن القول بأننا على صواب وهم على خطأ، والقول بدلاً من ذلك بأن الأمر معقد ولكننا متفائلون، على نزع سلاح المعلومات المضللة وخلق مساحة لنقاش أكثر انفتاحاً.
وقد أظهرت الأبحاث صعوبة تصحيح المعلومات المضللة بشكل كبير، حيث أنه من الأفضل بكثير منع الناس من سماعها في المقام الأول، أو تحذير الناس مسبقاً من أن يتشككوا فيما هم على وشك قراءته. ولكن هذا شبه مستحيل في العالم الحقيقي. ففرق العلاقات العامة لديها المهارات اللازمة لمعرفة الوقت المناسب للرد على المعلومات المضللة، وكيفية جعل الحقيقة جذابة، وضمان جذب الحقائق للانتباه. لذا يجب أن نكون أبطال الحقيقة.

المؤلفةصوفي أرمورSophie Armour
صوفي أرمور هي رئيسة قسم الاتصالات في معهد الغذاء الجيد في أوروبا، وهو منظمة ومؤسسة فكرية غير ربحية، يعمل على بناء نظام غذائي أكثر استدامة وأماناً وعدلاً من خلال تعزيز البروتينات البديلة. لديها خلفية في مجال الاتصالات السياسية والأكاديمية والمنظمات غير الحكومية.
https://www.ipra.org/news/itle/itl-601-champions-of-truth-building-skills-to-tackle-misinformation/
ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد
تحذير واجب.
يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:
info@ipra-ar.org
اخر المقالات








اخر الاخبار







