تحقيق التوازن: إدارة تحديات ومزايا العمل في العلاقات العامة ضمن الشركة
طوال مسيرتي المهنية، وجدت نفسي عالقة في شبكة تضم العديد من الجهات المعنية، ولكل منها توقعاته المختلفة. بقلم فو تشيك يي Foo Chek Yee
عندما طُلب مني كتابة مقال عن مهنةٍ عملت فيهالأكثر من 25 عاماً، شعرت بمزيجٍ من الحماس والقلق بشأن ما يمكن أن أقوله ليترك صدى لدى جمهورٍ على درايةٍ جيدة بمجال العلاقات العامة. فكرت في أنّ مشاركة ما تعلّمته من تجارب كممارِسة للعلاقات العامة داخل الشركة ربما يتيح لهم فرصةً للتفكير في تجاربهم الخاصة واستحضارها.
لقد عملت طوال مسيرتي المهنية في مجال العلاقات العامة داخل الشركة. بدأت عملي في سنغافورة في البداية في قسم الشؤون المؤسسية المحلية، وبعد أربع سنوات حالفني الحظ عندما عُرضَت عليّ وظيفة في مجال الاتصالات الداخلية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والتي كانت بمثابة بدايةٍ لمسيرتي المهنية الإقليمية التي استمرت حتى اليوم.
وبالنسبة لي، يتمثل عملي في مجال العلاقات العامة الداخلية في بناء سمعة الشركة التي أعمل بها وإدارتها وحمايتها والارتقاء بها. فقد كانت رحلتي مليئةً بلحظاتٍ من الفرح والإنجاز، بالإضافة إلى التحديات والإحباطات. وفي سياق منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أصبحت هذه الرحلة أكثر تعقيداً بسبب تنوّع المعايير الثقافية والممارسات التجارية في المنطقة. حيث تشكّل هذه الاختلافات طريقة أدائي لعملي، والتي بدورها ترشدني في مواجهة تحدّيات واقع الوظيفة واغتنام المكاسب التي تأتي معها.
الفروق الثقافية الدّقيقة
في منطقةٍ متنوعة مثل منطقة آسيا والمحيط الهادئ، هناك تحديات لا مفر منها في فهم التفاصيل الثقافية الدقيقة. فما يعتبر مناسباً في بلدٍ ما، يمكن أن يُنظر إليه على أنه غير لائقٍ في بلد آخر. وحملة العلاقات العامة التي تنجح في أستراليا قد تفشل تماماً في الصين في حال عدم فهم الفروق الثقافية الدقيقة فهماً كاملاً. لذلك يتطلب مني دوري الإقليمي أن أحافظ على تواصلٍ منتظم ومفتوح مع أعضاء فريقي حتى أتمكن من تثقيف نفسي باستمرار بشأن العادات المحلية. وهنا يأتي دور الصبر والتواضع.
كما يتميّز المشهد الإعلامي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بتعقيداته، مع تفاوت مستويات حرية الصحافة. وتتطلّب العلاقات مع وسائل الإعلام اهتماماً مستمراً وتحكّماً في الرواية عبر الثقافات المتنوّعة، وإدارة الجداول الزمنية للرّدود يمكن أن يكون مرهقاً ويستغرق وقتاً طويلاً.
كما يتطلّب العمل داخل الشركة التنقّل في بيروقراطية الشركة، وإدارة توقعات القيادة غير الواقعية في بعض الأحيان، والموازنة بين الأولويات المتضاربة وتنفيذ المهام بميزانيةٍ محدودة. وطوال مسيرتي المهنية، وجدت نفسي عالقة في شبكة معقدة من أصحاب المصلحة المتعددين، ولكلٍّ منهم توقّعاتٌ مختلفة. وكان الحصول على الموافقة للتعاقد مع وكالة للعلاقات العامة أو توسيع فريق العلاقات العامة يعدّ إنجازاً بحدّ ذاته، ناهيك عن التوقّعات الأعلى التي تأتي مع هذه الموارد الإضافية.
إثبات العائد على الاستثمار، تحدٍ مستمر
السؤال الذي لا يزال مطروحاً هو كيفيّةمساهمة جهود العلاقات العامة في تحقيق الأرباح. إنّ إثبات العائد على الاستثمار لحملات العلاقات العامة بنتائج ملموسة مفهومة ومقبولة من قبل الأعمال التجارية هو تحدٍ مستمر. ومع ذلك، يحدوني الأمل في أن تولّد التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بيانات ورؤى ثاقبة في مجال العلاقات العامة من شأنها أن توجّه كيفية القيام بالأعمال وإظهار القيمة مقابل المال. في الواقع، بدأت بالفعل العديد من منصات إدارة السمعة ومراقبة وسائل الإعلام في تحقيق التطور في كيفيّة إظهار قيمة العلاقات العامة في مجال الأعمال الأوسع.
وفي ظلّ هذه الحقائق، هناك أيضاً لحظات مجدية تمنحني الدّافع لأستمر في العمل. فمنطقة آسيا والمحيط الهادئ هي بوتقة تنصهر فيها الثقافات، وقد استمتعت بالتعلم والتكيف مع هذه الأعراف المتنوعة، كما استمتعت بكوني جسراً للمبادرات التي تعبر الحدود. فحملة علاقات عامة ناجحة في الهند قد تحتاج إلى تعديلات جوهرية لتتناسب مع سوق مثل اليابان. وتعد موهبة فهم وتكييف الرسائل والاستراتيجيات التي تعالج الفروق الثقافية وتلائمها مهارة تجلب الرضا الشخصي والمهني على حد سواء.
جانبٌ إيجابي آخر يتمثّل في بناء الثقة والعلاقات مع المتحدثين الرسميين وأعضاء الفريق. على الصّعيد العملي، يسهم ذلك في تعاونٍ ناجح عبر مبادراتنا في مجال العلاقات العامة. وعلى الصّعيد الشخصي، أشعر بالفخر والاعتزاز حين أرى المتحدّثين الرسميين يطبّقون نصائح التدريب الإعلامي أو التوجيهات المقدّمَة لهم في مشاركاتهم الإعلامية ويتألّقون في الأضواء. فبعضهم أصبحوا متحدّثين على درجةٍ عالية من الكفاءة في مجال التواصل، وقد نجحوا في تطوير حياتهم المهنية بنجاح.
ومن ثمار عملي في منصب إقليمي هو العلاقات التي أقمتها في جميع أنحاء المنطقة والعالم. فخلال سفري إلى خارج سنغافورة، يملؤني التواضع إزاء ما ألقاه من كرمٍ من حيث الوقت وتبادل الخبرات التي منحتني إياها شبكة العلاقات العامة التي أعمل بها.
تأثير قيم الشركة
خلال تعاملي مع تحدّيات ومكافآت وظيفتي، هناك عاملٌ أساسي يؤثر على عملي اليومي وهو قيم الشركة. على سبيل المثال، في مكان عملي الحالي، شركة كوشمان آند ويكفيلد Cushman & Wakefield، تساهم قيم الشركة المتمثلة في "الطموح" و"المرونة" و"الشمولية" و"الرؤية المستقبلية" و"ريادة الأعمال" بدورٍ محوري في كيفية أدائي لعملي. فقيمة "الطموح" تحدد معايير الأداء، وتضع الأساس لتطوير الاستراتيجيات التي تحقق نتائج قابلة للقياس. كما تشجعني ثقافة "ريادة الأعمال" أنا وفريقي على التفكير خارج الصندوق وتنفيذ حملات إبداعية.
لكن القيمة التي لها صدى في نفسي هي "المرونة". فكل يوم يجلب معه تحدّيات وفرصاً متكررة وجديدة، سواء كان ذلك في التعامل مع خبرٍ عاجل أو شخصيات مختلفة. وطوال مسيرتي المهنية، حالفني الحظ بالتعاون مع أصحاب المصلحة الذين يفهمون طبيعة العلاقات العامة ويعتبروا شركاء رائعين في سرد قصة الشركة. كما صادفتُ أيضاً أولئك الذين لديهم أجنداتهم الشخصية ونزعاتهم الذاتية، مما يجعل التعاون معهم محدوداً. هنا يأتي دور اللّباقة والخزم في تطبيق مهارات التأثير والإقناع لتحقيق الأهداف المنشودة.
التحلّي بالمرونة أثناء الأزمات أمر ضروري. رغم أنني لا أتمنى حدوث أزمة لأي شخص، إلا أنني أؤمن أن إدارة الأزمات هي جانب بالغ الأهمية في مهنة العلاقات العامة، فهي تدفعك إلى الهدوء والاستمرار (وسط الشكوك والسلبية)، وتتيح لك الفرصة لتبرز بينما تتحكم في السرد وتحمي سمعة الشركة. وتتطلب إدارة الأزمات بنجاح سرعة التفكير ومهارات تواصل فعالة وقدراً كبيراً من المرونة وهي من أكثر جوانب العمل إرضاءً رغم أننا ندرك قيمتها الحقيقية غالباً بعد انتهاء الأزمة.
وفي الختام، رغم أن هذا الدور يحمل نصيبه العادل من التحديات، إلا أنه يحمل نفس القدر من المكافآت. كما سيقدّر أولئك الذين ينجحون في هذا العمل أن مزيج الواقع والمكافأة هو ما يجعل هذه الرحلة مهمة لا تقتصر على كونها مجرد وظيفة، بل شغفاً حقيقياً.
المؤلفة تشيك يي
تشيك يي، رئيسة قسم العلاقات العامة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في شركة كوشمان آند ويكفيلد Cushman & Wakefield. تتمتع بخبرة تزيد عن 25 عاماً في مجال الاتصالات. وقد أدارت مجموعة متنوعة من المشاريع بما في ذلك اتصالات التغيير، وعمليات الدمج والاستحواذ، ومؤتمرات القيادة، بالإضافة إلى حملات العلامات التجارية والقيادة الفكرية. وتشمل خبرتها أيضاً تقديم برامج التدريب على المبيعات والمهارات الإدارية.
زيارة الموقع الإلكتروني للمؤلف
ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد
تحذير واجب.
يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:
info@ipra-ar.org
اخر المقالات








اخر الاخبار







