القدرة على الصّمود من خلال السمعة: التكيف مع الحقائق الناشئة
في عالمٍ يسوده التقلب والترابط والتدقيق المستمر، برزت السمعة كحجر أساسٍ للنجاح المستدام للمؤسسات من جميع الأحجام والقطاعات. ومع وقوفنا على مفترق طرقٍ بين الاضطرابات الجيوسياسية والتطورات التكنولوجية وتوقعات أصحاب المصلحة المتغيرة، لم تعد إدارة السمعة مسألةً هامشية، بل ستصبح ركيزةً أساسيةً لمرونة الأعمال وإحداث القيمة على المدى الطويل.
لماذا أصبحت إدارة السمعة أكثر أهميةً من أي وقت مضى؟
تُعدّ بيئة الأعمال العالمية في عام 2025 أكثر تعقيداً وتقلباً من أيّ وقتٍ مضى في الذاكرة الحديثة. فقد دفعت التوترات الجيوسياسية، والظروف الاقتصادية غير المستقرة، وخطر التضليل المستمر، بمخاطر السمعة إلى صدارة أجندة الشركات. وقد أوضحت جائحة كوفيد-19، وتصاعد الاستقطاب، والحروب التجارية، أنه لا توجد مؤسسة بمنأى عن الآثار المتتالية للأحداث العالمية. وفي هذا السياق، لا تقتصر السمعة على الصورة فحسب، بل تتعلق أيضاً ببقاء المؤسسات.
تأملوا في القصص التحذيرية لشركاتٍ عملاقة في هذا المجال، مثل "فولكس فاجن" Volkswagen، التي أدت فضيحة انبعاثاتها إلى غراماتٍ بالمليارات، وانخفاضٍ حادٍ في المبيعات، وفقدان ثقة الجمهور الذي استغرق سنواتٍ لإصلاحه. وهذا يُسلّط الضوء على حقيقةٍ بسيطة: المؤسسات التي تُهمل إدارة السمعة تُخاطر بنفسها. إنّ بناء سمعةٍ طويلة الأمد من داخل ثقافة المؤسسة أمرٌ بالغ الأهمية.
السمعة كمحركٍ للصمود والنجاح
السمعة القوية ليست مجرّد درعٍ واقٍ، بل هي محركٌ للنّمو والصّمود والميزة التنافسية. حيث تُظهر الأبحاث باستمرار أنّ المنظمات التي تتمتع بسمعةٍ راسخة تحظى بمستوياتٍ أعلى من الثقة، وولاء العملاء، ودعم أصحاب المصلحة. وفي أوقات الأزمات، تكون هذه المنظمات أكثر قدرةً على تجاوز الأزمة والتعافي بسرعة والخروج منها أقوى.
الثقة هي عُملة الأعمال الحديثة. فهي تُعزز العلاقات مع العملاء والموظفين والمستثمرين والجهات التنظيمية والمجتمعات. والسمعة الإيجابية تعمل على تعزيز الثقة، وجذب أفضل المواهب، وفتح الأبواب أمام الأسواق والشراكات الجديدة. كما تعمل كدرعٍ واق خلال فترات الاضطراب، مما يمكّن المنظمات من الحفاظ على دعم أصحاب المصلحة عند الحاجة.
علاوةً على ذلك، يُنظر إلى السمعة بشكلٍ متزايد كمؤشرٍ رئيسيٍّ على مرونة المؤسسة. وفي عالمٍ أصبحت فيه الاضطرابات حتمية، تُعدّ السمعة "رادار المرونة" الذي يوجّه المنظمات عبر الشك والتغيير.
القواعد الجديدة لإدارة السمعة
إذاً، كيف يمكن للمؤسسات بناء سمعةٍ متينةٍ ومستدامة؟ يُحدّد مستقبل إدارة السمعة أربعة متطلّباتٍ رئيسية:
1. الرصد مدعوماً بالبصيرة العميقة
لقد ولّى زمن إجراء أبحاث السمعة الأولية الشاملة لجميع أصحاب المصلحة. كما أنّ أيام نماذج السمعة المعيارية القديمة أصبحت معدودة. يجب على المؤسسات في الوقت الحالي معايرة أنظمة استخبارات السمعة الخاصة بها بعناية لرصد مشاعر الجمهور، والتغطية الإعلامية، وملاحظات أصحاب المصلحة بأقلّ تأخيرٍ ممكن (بشكل شبه فوري)، مع التقاط الإشارات والتوصيات بعناية من أهمّ علاقاتها. كل ذلك يهدف إلى اتخاذ قرارات عمل أفضل، وليس فقط تعديل أساليب التواصل. كما تُعدّ التحليلات المتقدمة، وعلم السلوك التنبئي، والتحليل المتكامل، وأصحاب المصلحة الاصطناعيين أدوات متزايدة القوة تُمكّن الشركات من اكتشاف المخاطر الناشئة، وتحديد الأنماط السلوكية، والاستجابة السريعة للتهديدات. فالمشاركة الاستباقية، والاستماع، والاستجابة، وتشكيل السرد، كلها أمورٌ أساسية للبقاء في الطليعة.
2. الأصالة والشفافية
في عصر المعلومات المضللة والمزيفة، تُعد الأصالة عامل التمييز الأهم. يتوقع أصحاب المصلحة أن تكون المنظمات صادقة، متناسقة، وشفافة في اتصالاتها وأفعالها. وهذا يعني الاعتراف بالأخطاء، وتحمّل المسؤولية، وإظهار التزام حقيقي بالسلوك الأخلاقي والمسؤولية الاجتماعية.
فالشركات التي تتبنى الشفافية الكاملة تبني ثقةً وولاءً أعمق. وفي الوقت نفسه، تتطلب الإدارة الاستراتيجية للسمعة دراسةً متأنية للمساومات مع موازنة المصالح والأولويات المتعارضة. إن البقاء متمسكاً بالقيم المؤسسية مع إرضاء فئات معينة، وجذب فئات أخرى، ومحاولة عدم الإساءة إلى أيّ أحد، هو بمثابة عملية موازنةٍ صعبة في بيئة اليوم.
3. الاستراتيجية والحوكمة المتكاملتان
يجب أن تكون إدارة السمعة جزءاً لا يتجزأ من هوية المؤسسة. وهذا يتطلب هياكل حوكمةٍ واضحة، وتعاوناً بين مختلف الوظائف، ومواءمةً مع استراتيجية الأعمال وإدارة المخاطر. كما تُعدّ الرقابة على مستوى مجلس الإدارة، وتخطيط السيناريوهات، وعمليات تدقيق السمعة الدورية أمراً بالغ الأهمية لتوقّع المخاطر واغتنام الفرص. ويُعدّ اتّباع نهج التفكير النظمي في التعامل مع القضايا ومشهد أصحاب المصلحة، ودمج معلومات السمعة في عملية صنع القرار على مستوى الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة، السبيل الوحيد لضمان النجاح على المدى الطويل.
4. بناء ثقافة السمعة
في نهاية المطاف، تتشكّل السمعة من خلال سلوكيات وقرارات كل موظف، من مجلس الإدارة إلى فرق العمل المباشرة. ويجب على المؤسسات تعزيز ثقافةٍ تُعطي الأولوية للنزاهة والمساءلة والتركيز على خدمة العملاء. كما يُعدّ التدريب والتواصل الداخلي وتطوير القيادة أمراً بالغ الأهمية لدمج إدارة السمعة في الممارسات اليومية.
التطلّع إلى المستقبل
يحمل مستقبل إدارة السمعة تحدياتٍ ووعوداً كبيرة. ومع تطور التكنولوجيا، وارتفاع توقعات أصحاب المصلحة، وازدياد ترابط العالم، ستظل السمعة حجر الزاوية للنجاح المستدام. فالمؤسسات التي تتبنى نهجاً استباقياً واستراتيجياً وصادقاً لإدارة السمعة لن تنجح فحسب، بل ستزدهر أيضاً، مكتسبةً الثقة والولاء والدعم، وهي السمات الحقيقية للقيادة الرّاسخة.
المؤلّف دينيس لارسن
دينيس لارسن هو المؤسس والمدير الإداري لشركة لينك أدفايزرز Linq Advisors. وهو أيضاً عضو مجلس إدارة EACD، ومحاضر زائر وزميل ممارس في #NORA، وعضو هيئة تحرير مجلة Corporate Communication Review، و محرر مشارك لمجلة Communication Director.
البريد الإلكتروني للمؤلف
زيارة الموقع الإلكتروني للمؤلف
ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد
تحذير واجب.
يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:
info@ipra-ar.org
اخر المقالات
اخر الاخبار