العلاقات العامة المتجذّرة مكانياً" من اليابان: نموذجٌ جامعيٌ محلي حائزٌ على جائزةٍ عالمية في مجال العلاقات العامة
في ظلّ انخفاض معدلات المواليد، وتزايد هجرة السكان من الأرياف، وتصاعد حدة المنافسة في المشهد التعليمي العالمي، نجحت جامعة محلية يابانية في تطوير نهجٍ فريد للعلاقات العامة، لم ينجح فقط في إحياء حضورها محلياً بل حظي أيضاً بتقديرٍ دوليٍ مرموق.
تقع جامعة هيروساكي في المدينة ذات المناظر الخلابة شمال محافظة آوموري باليابان، وهي جامعة وطنية متجذرة في إقليمٍ ريفي. واجهت كلية العلوم الصحية التابعة لها ثلاث تحدياتٍ رئيسية: حضورها على المستوى الوطني، وتعزيز التواصل مع المجتمع المحلي، وجذب الطلاب. ولهذه الغاية، أُطلقت حملة علاقاتٍ عامة مبتكرة تدمج بين الهوية المحلية، وتمكين الطلاب، وسرد القصص المجتمعية. وقد تُوّجت هذه الجهود بحصول الحملة على جائزة أفضل فعالية و/أو تفعيل في الاجتماع السنوي لعام 2025 لشبكة العلاقات العامة الدولية (IPRN)، وهو مؤتمر عالمي رفيع للعلاقات العامة ضمّ أكثر من مئة محترف من ثلاثين دولة.
من اللهجة المحلية إلى الحوار الوطني: قوة كلمة "أزوماشيي"
ارتكزت الحملة على كلمة محورية من لهجة تسوغارو المحلية هي "أزوماشيي"، والتي تعني "المطمئن" أو "المريح" أو "البسيط الذي يبعث على الدفء". ورغم أن هذه الكلمة غير مألوفة خارج نطاق المنطقة، إلا أنها لاقت صدىً عميقاً لدى السكان المحليين، مستحضرةً مشاعر الدفء والانتماء. وإدراكاً لقوتها العاطفية، أعادت الجامعة صياغة "أزوماشيي" لتحويلها إلى روايةٍ عامة تُعزِّز الروابط المجتمعية وتجذب الانتباه إلى رسالة الجامعة.
تمّ تصميم شخصياتٍ تعبيرية (إيموجي) مستوحاة من "أزوماشيي" بشكلٍ تعاونيٍّ بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس. تميزت هذه الشخصيات بعيونها الودودة الكبيرة وخطوطها البسيطة، لتمثل رمزاً للسلام والرعاية – وهما قيمتان أساسيتان في الثقافة المحلية وفي المهن الصحية التي تدرّسها الجامعة. وقد ظهرت هذه الشخصيات في الفعاليات العامة ومقاطع الفيديو والحملات الإعلامية المحلية، لتعمل كجسرٍ بين الجامعة ومجتمعها.
العلاقات العامة القائمة على التعليم: الطلاب كسفراء وصنّاع محتوى
شكّل دمج التعليم مع ممارسة العلاقات العامة حجر الزاوية في استدامة هذا المشروع. وتمحور هذا الجهد حول مقرر "أساسيات الإعلام والعلاقات العامة" لطلاب البكالوريوس، والذي قمت بتدريسه في جامعة هيروساكي بصفتي مستشارها للعلاقات العامة.
من خلال هذا المقرر، لم يقتصر دور الطلاب على تعلّم أساسيات نظرية الإعلام والتواصل الاستراتيجي وسرد القصص فحسب، بل طبقوا معارفهم مباشرةً على مبادرات العلاقات العامة في الجامعة. حيث أجروا تحليلاتٍ إعلامية، وطوّروا محتوى إبداعياً، وتولوا أدواراً قيادية في الفعاليات والحملات.
ضمن هذا النهج القائم على المنهج الدراسي أنشطةً مستدامة للعلاقات العامة جعلتها جزءاً من دورة تعلّمٍ مستمرة، لا مجرد حملاتٍ لمرةٍ واحدة. كما مكّن الجامعة من تنمية المواهب الداخلية، ووفّر للطلاب خبرةً عمليةً حقيقية تساهم في نموهم الشخصي والمهني وتعزّز سمعة الجامعة في الوقت ذاته.
نتائج مؤثّرة رغم التحديات
حققت الحملة نتائج لافتة للنظر رغم الميزانية المحدودة:
• حظيت بتغطية إعلامية مكثّفة في وسائل الإعلام الإقليمية (التلفزيون، والإذاعة، والصحف، والمنصات الرقمية) على مدى ستة أشهر.
• تفاعل كبير على منصات التواصل الاجتماعي للحسابات الرسمية للجامعة، مدفوعاً بمحتوىً أصيل من صنع الطلاب.
• زيادة ملحوظة في مشاركة طلاب المدارس الثانوية وأسرهم في فعاليات الجامعة.
• كشفت مقابلات مع أصحاب المصلحة عن ارتفاع مستوى الوعي برسالة الجامعة وقيمها.
بالإضافة إلى ذلك، ساعدت الحملة في إعادة صياغة هوية كلية العلوم الصحية – لتحولها من مجرد وحدةٍ أكاديمية، إلى مؤسسةٍ إقليمية حيوية متجذرة في قيم التعاطف والرعاية المجتمعية.
العلاقات العامة المتجذّرة مكانياً: تجاوز بناء الهوية إلى صنع المعنى
يُشكل إطار "العلاقات العامة المتجذرة مكانياً" الذي طوّره فريق الاستشارات، العمود الفقري النظري للحملة. على عكس تسويق المكان التقليدي الذي يركز غالباً على الشعارات أو الجاذبية الاقتصادية، تبدأ العلاقات العامة المتجذرة مكانياً من الأصالة المحلية نفسها.
فهي تستند إلى ثلاثة أنواع متداخلة من الموارد:
• الموارد الثقافية – بما في ذلك اللهجات، والمهرجانات، والتقاليد، والجماليات الإقليمية.
• الموارد العاطفية – مثل الحنين، والدفء، والفكاهة، والفخر.
• الموارد البشرية – وخاصة الطلاب، وأعضاء هيئة التدريس، والخريجين، والمقيمين الذين يشاركون في صنع المعنى ويقومون بدور رواة القصة.
تمّ الجمع بين هذه العناصر بشكلٍ استراتيجي لتصميم اتصالٍ لا يكون مرئياً أو مسموعاً فحسب، بل محسوساً وعميقاً. وهكذا لم تُصمم الفعاليات كتكتيكات علاقاتٍ عامة تقليدية، بل كتجارب غنية عاطفياً تُعزِّز الانتماء وتصقل الهوية.
لم يقتصر هذا الإطار على الجانب النظري، بل جرى تضمينه في الممارسة العملية من خلال مقرر "أساسيات الإعلام والعلاقات العامة"، حيث تحوّل التعلم النظري في القاعة الدراسية مباشرةً إلى قيادةٍ ميدانية في مجال العلاقات العامة. وبجوهر الأمر، أصبحت الحملة مختبراً حياً للتواصل المكاني.
الاعتراف الدولي وآفاق عالمية
في الاجتماع السنوي لشبكة العلاقات العامة الدولية (IPRN) عام 2025 في بورتو، البرتغال، برزت حملة جامعة هيروساكي من بين عشرات المشاركات من كبرى وكالات العلاقات العامة العالمية. أشاد القضاة بوضوح هدفها، ومشاركتها الأصيلة مع المجتمع، ونهجها المبتكر القائم على الطلاب.
علق أحد أعضاء لجنة التحكيم قائلاً: "لم يكن هذا مجرد عملٍ جيدٍ في العلاقات العامة لجامعة. لقد كان نموذجاً يحتذى به لكيفية قدرة المؤسسات – بغض النظر عن حجمها أو موقعها – على بناء رواياتٍ قوية متجذرةٍ في المكان والناس."
أثار هذا النجاح اهتمام جامعاتٍ ريفيةٍ أخرى في اليابان وحتى الحكومات المحلية التي تسعى لتكرار هذا النموذج. مع الترجمة والتكيف المناسبين، يمكن تطبيق نموذج "العلاقات العامة المتجذرة مكانياً" عبر مختلف الثقافات والقطاعات – من السياحة والتعليم إلى الرعاية الصحية والتنمية المجتمعية.
لماذا يجب على متخصصي العلاقات العامة الاهتمام؟
في عصرٍ يتسم بالتشبع الإعلامي والضجيج الخوارزمي، أصبحت الأصالة سلعةً نادرةً وثمينة. يذكرنا نموذج جامعة هيروساكي أن العلاقات العامة الفعالة لا تحتاج إلى أن تكون مكلفة أو مبهرة – بل تحتاج إلى أن تكون ذات معنى عميق.
تتحدى العلاقات العامة المتجذرة مكانياً المتخصصين العالميين للقيام بما يلي:
• إعادة التفكير في المحلية والنظر إليها كمصدرٍ غنيٍ للبصيرة الاستراتيجية، وليس مجرد سياق أو موقع جغرافي.
• إعادة صياغة التواصل ليكون أداةً لتصميم العلاقات العميقة وبناء المجتمع، وليس فقط لنشر الرسائل.
• إعادة الاستثمار في المواهب والتركيز على تنمية المهارات الداخلية، وخاصة بينالشباب والطلاب الذين هم سفراء المستقبل.
خاتمة
قصة جامعة هيروساكي ليست مجرد فوز بجائزة دولية. إنها قصة إحياءٍ للفخر المحلي، وتمكين الطلاب، ودمج للتعليم مع الممارسة العملية، واستعادة لقوة المكان في صميم استراتيجيات العلاقات العامة. بينما تبحث الصناعة عن نماذج جديدة في العصر ما بعد الرقمي، تقدم العلاقات العامة المتجذرة مكانياً اتجاهاً جديداً وإنسانياً يضع الجوهر فوق المظهر.
في بعض الأحيان، يكون لأصغر المدن أكبر القصص تأثيراً – وألمع رواة هذه القصص يجلسون بالفعل في قاعات الدراسة، ينتظرون من يمنحهم الفرصة.
المؤلّف كويتشي إيواساوا
كويتشي إيواساوا، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة كي مسج إنترناشونال Key Message International Corporation، خبير اتصالات يتمتع بخبرة واسعة في العلاقات العامة الرقمية والعالمية، اكتسبها من خلال عمله في شركات محلية وأجنبية (الولايات المتحدة الأمريكية والسويد). عمل في مناطق متعددة حول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا بلغات متعددة. وهو عضو مجلس إدارة الجمعية اليابانية للاتصال المؤسسي، ويُدرّس في جامعات متعددة في مجالات الاتصالات والإعلام والعلاقات العامة والصحافة والتواصل بين الثقافات والسلام والرفاهية والخيال العلمي.
البريد الإلكتروني للمؤلف
زيارة الموقع الإلكتروني للمؤلف
ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد
تحذير واجب.
يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:
info@ipra-ar.org
اخر المقالات
اخر الاخبار